وبلاگ رسمی دکتور محمد طاهر قاسمی

وبلاگ رسمی دکتور محمد طاهر قاسمی

باز تابی از آثار علمی و تحقیقی اندیشمند جوان افغان به زبان های عربی و فارسی
وبلاگ رسمی دکتور محمد طاهر قاسمی

وبلاگ رسمی دکتور محمد طاهر قاسمی

باز تابی از آثار علمی و تحقیقی اندیشمند جوان افغان به زبان های عربی و فارسی

حال المؤمن یوم القیامة

حال المؤمن یوم القیامة

الباحث: محمد طاهر قاسمی


إنَّ الله لا یضیع أجرَ المحسنین من عباده، الذین کانوا فی الدنیا یتسابقون نحو الخیرات، ولا تلهیهم تجارة ولا شیء آخر عن عبادة الله وتوحیده، ولا یلتفتون یمینًا ولا شمالًا، ولا یخافون فی الله لومةَ لائم، وهولاء الناجحون فی الدنیا والآخرة؛ حیث إنهم عاشوا فی الدنیا بالإسلام والإیمان وفی الآخرة لهم البشرى ویکون لهم أحسن الأحوال، قال الله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِکَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ[1].

 

قال الطبری رحمه الله تعالى فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِکَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾: "وجوه یومئذ مشرِقةٌ مضیئة، وهی وجوه المؤمنین الذین قد رضی الله عنهم، یقال: أسفَر وجه فلان: إذا حَسُن، ومنه أسفر الصبح: إذا أضاء، وکلُّ مُضیء فهو مسفِر، وأما سَفَر بغیر ألف، فإنما یقال للمرأة إذا ألقت نقابَها عن وجهها أو برقعها، یقال: قد سَفَرت المرأة عن وجهها إذا فعلت ذلک فهی سافر... ﴿ ضَاحِکَةٌ ﴾ یقول: ضاحکة من السرور بما أعطاها الله من النعیم والکرامة ﴿ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ لما ترجو من الزیادة"[2].

 

وروی عن ابن عباس رضی الله تعالى عنهما فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ﴾ "مشرقة"[3].

وقال ابن زید رحمه الله تعالى فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِکَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ "هؤلاء أهل الجنة"[4].

 

وقال أبو اللیث السمرقندی رحمه الله تعالى فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِکَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ "من الوجوه ما یکون فی ذلک الیوم مشرقة مضیئة ﴿ ضَاحِکَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾، یعنی: فرحة بالثواب وهم المؤمنون المطیعون"[5].

 

وروی عن عطاء[6] رحمه الله تعالى فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِکَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ ﴾ "من طول ما اغبرَّت فی سبیل الله"[7].

 

وذلک فضلٌ من الله یؤتیه من یشاء من عباده؛ حیث یسفر وجوه الذین آمنوا وعملوا الصالحات فی الیوم الذی فیه تسودُّ وجوه وتبیَضُّ وجوه، ویجعلها ضاحکة ومستبشرة، ومع ذلک تکون ناعمة فی الآخرة وراضیة عما سلف؛ حیث قال الله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْیِهَا رَاضِیَةٌ[8].

 

قال الطبری رحمه الله تعالى فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ ﴾ "یوم القیامة"، وقوله: ﴿ نَاعِمَةٌ ﴾ "هی ناعمة بتنعیم الله أهلها فی جناته، وهم أهل الإیمان بالله". وقوله: ﴿ لِسَعْیِهَا رَاضِیَةٌ ﴾ "لعمَلِها الذی عملَتْ فی الدنیا من طاعة ربها راضیة، وقیل: ﴿ لِسَعْیِهَا رَاضِیَةٌ ﴾ "لثواب سعیها فی الآخرة راضیة"[9].

 

وقال أبو اللیث السمرقندی رحمه الله تعالى فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ ﴾ "یعنی: من الوجوه ما تکون ناعمة، یعنی: فی نِعْمةٍ وکرامة، وهی وجوه المؤمنین والتائبین، والصالحین، ویقال: ﴿ وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ ﴾ یعنی: مشرقة مضیئة؛ مثل القمر لیلة البدر ﴿ لِسَعْیِها رَاضِیَةٌ ﴾ یعنی: لثواب عملها راضیة، ویقال: لثواب سعیه الذی عمل فی الدنیا من الخیر، یعنی: رأى ثوابه فی الجنة، راضِیَة مرضیَّة، رضی الله عنه بعمله فی الدنیا، ورضی العبد من الله تعالى فی الآخرة من الثواب"[10].

 

ولیس هذا وحده لهذه الوجوه؛ بل هناک من النِّعم ما لا عین رأت ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب أحد، وبذلک تکون هذه الوجوه ضاحکة ومستبشرة وناعمة وراضیة.

اللهمَّ اجعلنا منهم. آمین یارب العالمین.



[1] سورة عبس: (38، 39).

[2] "جامع البیان فی تأویل القرآن"؛ لابن جریر الطبری، (24/ 232 233).

[3] أخرجه الطبری فی تفسیره "جامع البیان فی تأویل القرآن"، (24/ 233).

[4] المصدر نفسه.

[5] "بحر العلوم"؛ لأبِی اللیث السمرقندی، (3/ 549).

[6] عطاء (27 114 هـ = 647 732 م)، هو: الإمام، شیخ الإسلام، مفتی الحرم، أبو محمد القرشی مولاهم، المکی، یقال: ولاؤه لبنی جمح، کان من مولدی الجَنَد، ونشأ بمکة، ولد: فی أثناء خلافة عثمان، حدث عن: عائشة، وأم سلمة، وأم هانئ، وأبی هریرة، وابن عباس، وطائفة، حدث عنه: مجاهد بن جبر، وأبو إسحاق السبیعی، وأبو الزبیر، وعمرو بن دینار، والقدماء، والزهری، وقتادة، وخلق من صغار التابعین، وأبو حنیفة، وجریر بن حازم، ویونس بن عبید، وأسامة بن زید اللیثی، وآخرون، قال الثوری: عن سلمة بن کهیل: ما رأیت أحدًا یرید بهذا العلم وجهَ الله غیر هؤلاء الثلاثة: عطاء، وطاووس، ومجاهد.

راجع: "سیر أعلام النبلاء"؛ للذهبی، (5/ 78 88)، و"الأعلام"؛ للزرکلی، (4/ 235).

[7] "الکشف والبیان عن تفسیر القرآن"؛ للثعلبی، (10/ 135).

[8] سورة الغاشیة: (8 - 9).

[9] "جامع البیان فی تأویل القرآن"؛ لابن جریر الطبری، (24/ 385).

[10] "بحر العلوم"؛ لأبِی اللیث السمرقندی، (3/ 574).

انشقاق السماء یوم القیامة

انشقاق السماء یوم القیامة

 

الباحث: محمد طاهر قاسمی

السماء مأخوذة من: سما یسمو سموا: ارتفع وعلا، وسماء کل شیء: أعلاه، وسماء البیت: سقفه؛ لأنَّه یَعلوه.

والمراد بالسماء: الجهة التی تَعلو الأرض وتظهر فیها النجومُ والکواکب، وهی مؤنَّثة وقد تُذکَّر، وقد یراد بها الجمع، وجمع سماء سماوات[1].

 

السماء کانت فی الأصل دُخانًا، فخلقها الله منه، قال الله تعالى:

﴿ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِیَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِیَا طَوْعًا أَوْ کَرْهًا قَالَتَا أَتَیْنَا طَائِعِینَ[2].

 

خلقها الله وشدَّد فی بنائها؛ بل رفع سَمْکَها وسوَّاها، وأغطَش لیلها وأخرج ضحاها، کما قال الله تعالى:

﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا - رَفَعَ سَمْکَهَا فَسَوَّاهَا - وَأَغْطَشَ لَیْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا[3].

 

وزیَّنها بزینة الکواکب والمصابیح، وما جعل فیها من فُروج وشقوق، قال الله تعالى:

﴿ وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِی السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَیَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِینَ[4]، وقال تعالى: ﴿ تَبَارَکَ الَّذِی جَعَلَ فِی السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِیهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِیرًا[5]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا زَیَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْیَا بِزِینَةٍ الْکَوَاکِبِ[6]، وقال تعالى: ﴿ ... وَزَیَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْیَا بِمَصَابِیحَ وَحِفْظًا ذَلِکَ تَقْدِیرُ الْعَزِیزِ الْعَلِیمِ[7]، وقال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ زَیَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْیَا بِمَصَابِیحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّیَاطِینِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِیرِ[8]، وقال تعالى: ﴿ أَفَلَمْ یَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ کَیْفَ بَنَیْنَاهَا وَزَیَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ[9].

 

ولکن ما خلقها باطلًا، قال الله تعالى:

﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِکَ ظَنُّ الَّذِینَ کَفَرُوا فَوَیْلٌ لِلَّذِینَ کَفَرُوا مِنَ النَّارِ[10]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَیْنَهُمَا لَاعِبِینَ[11].

 

بل خلقها لنفع الإنسان، قال تعالى:

﴿ هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَکُمْ مَا فِی الْأَرْضِ جَمِیعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ[12]، وقال تعالى: ﴿ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَکُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ[13].

 

فإذا حان حینها، وقامت الساعةُ، جعلها مفروجة ومشقوقة ومنفطِرةً، ثم تطیع السماء ربَّها فی ذلک الانشقاق، ثم تجذب أو تنزع وتطوى؛ وذلک من أعظم أهوال ذلک الیوم، قال الله تعالى: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ[14].

 

قال الطبری والفرَّاء وابن قتیبة والثعلبی والواحدی وابن کثیر والسیوطی[15] رحمهم الله تعالى فی تفسیر هذه الآیة: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ﴾: انشقَّت[16].

 

قال أبو اللیث السمرقندی رحمه الله تعالى فی تفسیر هذه الآیة: "﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ﴾ یعنی: انفجرت لهیبة الرب تبارک وتعالى، ویقال: انفجرت لنزول الملائکة؛ لقوله تعالى: ﴿ وَیَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِکَةُ تَنْزِیلًا[17] ﴾"[18].

 

وقال القرطبی رحمه الله تعالى فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ ﴾ "أی: تشقَّقت بأمر الله؛ لنزول الملائکة؛ کقول: ﴿ وَیَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِکَةُ تَنْزِیلًا[19]، وقیل: تفطَّرتْ لهیبة الله تعالى، والفطر: الشق؛ یقال: فطرته فانفطر؛ ومنه فطر ناب البعیر: طلع، فهو بعیر فاطر، وتفطَّر الشیء: تشقَّق، وسیف فطار، أی: فیه شقوق..."[20].

وقال تعالى: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ - وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ[21].

 

قال أبو اللیث السمرقندی والثعلبی رحمهما الله تعالى فی تفسیر هذه الآیة: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ ﴾ "یعنی: انفرجت لهیبة الرب عز وجل، ویقال: انشقت لنزول الملائکة، وما شاء من أمره، ﴿ وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ ﴾، یعنی: أطاعت السماءُ لربِّها بالسمع والطاعة، وَحُقَّتْ یعنی: وحقَّ لها أن تطیع ربها الذی خلقها[22]".

 

وقال تعالى: ﴿ وَإِذَا السَّمَاءُ کُشِطَتْ[23].

قال مجاهد رحمه الله تعالى: فی تفسیر قوله: ﴿ وَإِذَا السَّمَاءُ کُشِطَتْ ﴾ "جُذبت"[24].

قال الفرَّاء وابن قتیبة رحمهما الله تعالى: فی تفسیر قوله: ﴿ وَإِذَا السَّمَاءُ کُشِطَتْ ﴾ "نزعت وطویت"[25].

 

ثم تُطوى السماء کطیِّ السجِّل للکتب، قال الله تعالى:

﴿ یَوْمَ نَطْوِی السَّمَاءَ کَطَیِّ السِّجِلِّ لِلْکُتُبِ کَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِیدُهُ وَعْدًا عَلَیْنَا إِنَّا کُنَّا فَاعِلِینَ[26].

هذه خاتمة للسَّماء بهذه العظمة؛ وذلک من أعظم أهوال ذلک الیوم.

 

ومنها دَکُّ الأرض وصف الملک ومجیء جهنم:

ومن شدَّة أهوال ذلک الیوم دَکُّ هذه الأرض بعظمتها، التی نعیش علیها ونأمن فیها وتکون مهدًا لنا ونستفید منها؛ لأن الله تعالى جعل فیها ما یکون لنا مفیدًا وممتعًا، قال الله تعالى:

﴿ کَلَّا إِذَا دُکَّتِ الْأَرْضُ دَکًّا دَکًّا[27].

 

قال ابن عباس رضی الله تعالى عنهما فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ کَلَّا إِذَا دُکَّتِ الْأَرْضُ دَکًّا دَکًّا ﴾ "تَحْرِیکُهَا"[28].

وقال أنس رضی الله تعالى عنه فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ کَلَّا إِذَا دُکَّتِ الْأَرْضُ دَکًّا دَکًّا ﴾ [الفجر: 21]: "تُحْمَلُ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَیُدَکُّ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ"[29].

 

وذَکر القرطبیُّ رحمه الله تعالى فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ کَلَّا إِذَا دُکَّتِ الْأَرْضُ دَکًّا دَکًّا ﴾ [الفجر: 21] "دُکَّتْ، أَیِ: اسْتَوَتْ فِی الِانْفِرَاشِ، فَذَهَبَ دُورُهَا وَقُصُورُهَا وَجِبَالُهَا وَسَائِرُ أَبْنِیَتِهَا"[30].

 

والحاصل أنَّ ذلک المشهد الذی هو عظیمٌ رؤیته وکبیر هیبته یملأ القلوبَ رعبًا وخوفًا؛ وذلک مِن مخاوف وأهوال یوم القیامة التی نستقبلها بعد حین بإذن الله تعالى.

 

وصف الملائکة هَوْلٌ آخر یغطی الوجوه یوم القیامة وحشةً ویملأ القلوبَ قلقًا ورعبًا؛ وذلک بإحاطتهم حول الناس أضعافًا مضاعفة بحیث لا ینفذ أحد منهم إلا بسلطان وهیبة ذلک المشهد تکون مِن شدَّة أهوال یوم القیامة التی سنواجهها، قال الله تعالى: ﴿ وَجَاءَ رَبُّکَ وَالْمَلَکُ صَفًّا صَفًّا[31].

 

عن ابن عباس رضی الله تعالى عنهما فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ وَجَاءَ رَبُّکَ وَالْمَلَکُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [الفجر: 22]: "إذا کان یوم القیامة مُدَّت الأرض مَدَّ الأدیم، وزید فی سعتها کذا وکذا، وجُمع الخلائق بصعیدٍ واحد؛ جِنُّهم وإنسهم، فإذا کان ذلک الیوم قیضت هذه السماء الدنیا عن أهلها على وجه الأرض، وَلأهل السماء وحدهم أکثر من أهل الأرض جنهم وإنسهم بضعف، فإذا نثروا على وجه الأرض فزِعوا منهم، فیقولون: أفیکم ربنا: فیفزعون مِن قولهم ویقولون: سبحان ربنا لیس فینا! وهو آتٍ، ثم تقاض السماء الثانیة، وَلأهل السماء الثانیة وحدهم أکثر من أهل السماء الدنیا ومِن جمیع أهل الأرض بضعف جنِّهم وإنسهم، فإذا نثروا على وجه الأرض فزِع إلیهم أهل الأرض، فیقولون: أفیکم ربنا؟ فیفزعون مِن قولهم ویقولون: سبحان ربِّنا! لیس فینا، وهو آتٍ، ثم تقاضُ السماوات سماء سماء، کلَّما قیضت سماء عن أهلها کانت أکثر مِن أهل السموات التی تحتها ومن جمیع أهل الأرض بضِعْف، فإذا نُثروا على وجه الأرض، فزِع إلیهم أهلُ الأرض، فیقولون لهم مثل ذلک، ویرجعون إلیهم مثل ذلک، حتى تقاض السماء السابعة، فلَأهل السماء السابعة أکثر من أهل ستِّ سموات، ومِن جمیع أهل الأرض بضعف، فیجیء الله فیهم والأمم جِثیٌّ صفوف، وینادی منادٍ: ستعلمون الیوم مَن أصحاب الکرم، لیقم الحمَّادون لله على کل حال؛ قال: فیقومون فیسرحون إلى الجنَّة، ثم ینادی الثانیة: ستعلمون الیوم من أصحاب الکرم، أین الذین کانت تتجافیجنوبهم عن المضاجع، یدعون ربهم خوفا وطمعًا، ومما رزقناهم ینفقون؟ فیسرحون إلى الجنة؛ ثم ینادی الثانیة: ستعلمون الیوم من أصحاب الکرم: أین الذین لا تلهیهم تجارةٌ ولا بیع عن ذِکْر الله، وإقام الصلاة وإیتاء الزکاة، یخافون یوما تتقلَّب فیه القلوب والأبصار فیقومون فیسرحون إلى الجنة؛ فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة خرج عُنُق من النار، فأشرف على الخلائق، له عینان تبصران، ولسان فصیح، فیقول: إنی وکِّلتُ منکم بثلاثة: بکلِّ جبَّار عنید، فیلقُطهم من الصفوف لقط الطیر حبَّ السمسم، فیحبس بهم فی جهنم، ثم یخرج ثانیة فیقول: إنی وکلت منکم بمن آذى الله ورسوله فیلقطهم لقط الطیر حبَّ السمسم، فیحبس بهم فی جهنم، ثم یخرج ثالثة، قال عوف: قال أبو المنهال: حسبتُ أنه یقول: وکلت بأصحاب التصاویر، فیلتقطهم من الصفوف لقْطَ الطیر حَبَّ السمسم، فیحبس بهم فی جهنم، فإذا أخذ من هؤلاء ثلاثة، ومن هؤلاء ثلاثة، نُشرت الصحف، ووُضعت الموازین، ودُعی الخلائق للحساب"[32].

 

وعن الضحَّاک بن مزاحم رحمه الله تعالى فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ وَجَاءَ رَبُّکَ وَالْمَلَکُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [الفجر: 22]: "إذا کان یوم القیامة، أمر الله السماءَ الدنیا بأهلها، ونزل من فیها من الملائکة، وأحاطوا بالأرض ومن علیها، ثم الثانیة، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة، فصفُّوا صفًّا دون صفٍّ، ثم ینزل الملک الأعلى على مجنبته الیسرى جهنم، فإذا رآها أهلُ الأرض ندُّوا، فلا یأتون قطرًا من أقطار الأرض إلا وجدوا سبعة صفوف من الملائکة، فیرجعون إلى المکان الذی کانوا فیه فذلک قول الله: ﴿ إِنِّی أَخَافُ عَلَیْکُمْ یَوْمَ التَّنَادِ یَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِینَ مَا لَکُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِم ﴾، وذلک قوله: ﴿ وَجَاءَ رَبُّکَ وَالْمَلَکُ صَفًّا صَفًّا وَجِیءَ یَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ﴾ وقوله: ﴿ یَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ ﴾ وذلک قول الله: ﴿ وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِیَ یَوْمَئِذٍ وَاهِیَةٌ وَالْمَلَکُ عَلَى أَرْجَائِهَا[33].

 

یفزع الإنسان من شدَّة هذا الهول، وبینما هم کذلک إذ یظهر مشهدٌ آخر وهو مجیء جهنَّم التی تسبب خروج الدم من مسار العرق من الإنسان؛ وهذا هول ما واجهه بشَر من قبل ویخاف ویرتجف کلُّ أحد منه إلا محمد صلى الله علیه وسلم؛ لأن الله تعالى یحفظه کما أشیر إلیه فی الحدیث السابق، فیومئذ یتذکَّر الإنسان وأنى له الذکرى، قال الله تعالى:

﴿ وَجِیءَ یَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ یَوْمَئِذٍ یَتَذَکَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّکْرَى[34].

 

وأخرج مسلم رحمه الله تعالى فی صحیحه عن عبدالله بن مسعود رضی الله تعالى عنه قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله علیه وسلم: ((یُؤْتَى بِجَهَنَّمَ یَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ، مَعَ کُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَکٍ یَجُرُّونَهَا))[35].

 

وقال ابن کثیر رحمه الله تعالى فی تفسیر هذه الآیات: "یُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا یَقَعُ یَوْمَ الْقِیَامَةِ مِنَ الْأَهْوَالِ الْعَظِیمَةِ، فَقَالَ: ﴿ کَلَّا ﴾ أَیْ: حَقًّا ﴿ إِذَا دُکَّتِ الْأَرْضُ دَکًّا دَکًّا ﴾، أَیْ: وُطِئَتْ وَمُهِّدَتْ وَسُوِّیَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ، وَقَامَ الْخَلَائِقُ مِنْ قُبُورِهِمْ لِرَبِّهِمْ، ﴿ وَجَاءَ رَبُّکَ ﴾، یَعْنِی: لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَیْنَ خَلْقِهِ؛ وَذَلِکَ بَعْدَمَا یَسْتَشْفِعُونَ إِلَیْهِ بِسَیِّدِ وَلَدِ آدَمَ عَلَى الْإِطْلَاقِ مُحَمَّد صلَّى اللهُ علیه وسلم، بَعْدَمَا یَسْأَلُونَ أُولِی الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَکُلُّهُمْ یَقُولُ: لَسْتُ بِصَاحِبِ ذَاکُمْ، حَتَّى تَنْتَهِیَ النَّوْبَةُ إِلَى مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ علیه وسلم فَیَقُولُ: ((أَنَا لَهَا، أَنَا لَهَا))، فَیَذْهَبُ فَیَشْفَعُ عِنْدَ اللَّهِ فِی أَنْ یَأْتِیَ لِفَصْلِ الْقَضَاءِ فَیُشَفِّعُهُ اللَّهُ فِی ذَلِکَ، وَهِیَ أَوَّلُ الشَّفَاعَاتِ، وَهِیَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ کَمَا تَقَدَّمَ بَیَانُهُ فِی سُورَةِ "سُبْحَانَ" فَیَجِیءُ الرَّبُّ تَعَالَى لِفَصْلِ الْقَضَاءِ کَمَا یَشَاءُ، وَالْمَلَائِکَةُ یَجِیئُونَ بَیْنَ یَدَیْهِ صُفُوفًا صُفُوفًا..."[36].



[1] راجع: "مخطوطة الجمل؛ معجم وتفسیر لغوی لکلمات القرآن"؛ لحسن عز الدین بن حسین بن عبدالفتاح أحمد الجمل، مادة: (س م و)، (2/ 343).

[2] سورة فصلت: (11).

[3] سورة النازعات: (27 - 29).

[4] سورة الحجر: (16).

[5] سورة الفرقان: (61).

[6] سورة الصافات: (6).

[7] سورة فصلت: (12).

[8] سورة الملک: (5).

[9] سورة ص: (6).

[10] سورة ص: (27).

[11] سورة الأنبیاء: (16).

[12] سورة البقرة: (29).

[13] سورة البقرة: (22).

[14] سورة الانفطار: (1).

[15] السیوطی (849 911 هـ = 1445 1505 م)، هو: عبدالرحمن بن أبی بکر بن محمد بن سابق الدین الخضیری السیوطی، جلال الدین أبو الفضل، أصله من أسیوط، ونشأ بالقاهرة یتیمًا، وقضى آخر عمره ببیته عند روضة المقیاس حیث انقطع للتألیف، کان عالمًا شافعیًّا مؤرخًا أدیبًا، وکان أعلم أهل زمانه بعلم الحدیث وفنونه والفقه واللغة، کان سریع الکتابة فی التألیف، ولما بلغ أربعین سنة أخذ فی التجرُّد للعبادة، وترک الإفتاءَ والتدریس وشرع فی تحریر مؤلَّفاته فألَّف أکثر کتبه، ومؤلفاته تبلغ عدَّتها خمسمائة مؤلَّف، منها: (الدر المنثور) فی التفسیر و(الحاوی للفتاوى) و(الإتقان فی علوم القرآن).

راجع: "شذرات الذهب فی أخبار من ذهب"؛ لعبدالحی بن أحمد بن محمد ابن العماد، العَکری الحنبلی، أبی الفلاح (المتوفى: 1089هـ)، (10/ 74 79)، حققه: محمود الأرناؤوط، خرج أحادیثه: عبدالقادر الأرناؤوط، دار ابن کثیر، دمشق بیروت، الطبعة: الأولى، 1406 هـ 1986 م، عدد الأجزاء: (11)، و"الأعلام"؛ للزرکلی، (3/ 301 302).

[16] "جامع البیان فی تأویل القرآن"؛ لابن جریر الطبری، (24/ 243)، ومعانی القرآن للفراء، (3/ 243)، وغریب القرآن، لابن قتیبة، (ص 443)، و"الکشف والبیان عن تفسیر القرآن"؛ للثعلبی، (10/ 145)، و"الوجیز فی تفسیر الکتاب العزیز"؛ للواحدی، (ص1180)، و"تفسیر القرآن العظیم"؛ لابن کثیر، (8/ 341)، و"الدر المنثور"؛ للسیوطی (8/ 438).

[17] سورة الفرقان: (25).

[18] "بحر العلوم"؛ لأبِی اللیث السمرقندی، (3/ 554).

[19] سورة الفرقان: (25).

[20] "الجامع لأحکام القرآن"؛ للقرطبی، (19/ 244).

[21] سورة الانشقاق: (1، 2).

[22] "بحر العلوم"؛ لأبِی اللیث السمرقندی، (3/ 560)، و"الکشف والبیان عن تفسیر القرآن"؛ للثعلبی، (10/ 158).

[23] سورة التکویر: (11).

[24] "جامع البیان فی تأویل القرآن"؛ لابن جریر الطبری، (24/ 249)، و"الکشف والبیان عن تفسیر القرآن"؛ للثعلبی، (10/ 145)، و"الوجیز فی تفسیر الکتاب العزیز"؛ للواحدی، (ص1180) و"تفسیر القرآن العظیم"؛ لابن کثیر، (8/ 341)، و"الدر المنثور"؛ للسیوطی (8/ 438).

[25] "معانی القرآن"؛ للفراء، (3/ 241)، و"غریب القرآن"؛ لأبی محمد عبدالله بن مسلم بن قتیبة (ص 441).

[26] سورة الأنبیاء: (104).

[27] سورة الفجر: (21).

[28] أخرجه ابن أبی حاتم فی تفسیره "تفسیر القرآن العظیم"، رقم الحدیث: (19281)، (10/ 3429).

[29] المصدر السابق.

[30] "الجامع لأحکام القرآن"؛ للقرطبی، (20/ 54).

[31] سورة الفجر: (22).

[32] أخرجه الطبری فی تفسیره "جامع البیان فی تأویل القرآن"، (24/ 417 418)، وقال ابن حجر العسقلانی: "هَذَا مَوْقُوفٌ، إِسْنَادُهُ حَسَنٌ"؛ "المطالب العالیة بزوائد المسانید الثمانیة"؛ لابن حجر العسقلانی رقم الحدیث: (4557)، (18/ 536)، المحقق: (17) رسالة علمیة قدمت لجامعة الإمام محمد بن سعود، تنسیق: د. سعد بن ناصر بن عبدالعزیز الشثری، الناشر: دار العاصمة، دار الغیث السعودیة، الطبعة: الأولى، 1419هـ، عدد الأجزاء: (19).

[33] أخرجه الطبری فی تفسیره "جامع البیان فی تأویل القرآن"، (24/ 418).

[34] سورة الفجر: (23).

[35] أخرجه مسلم فی صحیحه، کتاب الْجَنَّةِ وَصِفَةِ نَعِیمِهَا وَأَهْلِهَا، بَابٌ فِی شِدَّةِ حَرِّ نَارِ جَهَنَّمَ وَبُعْدِ قَعْرِهَا وَمَا تَأْخُذُ مِنَ الْمُعَذَّبِینَ، رقم الحدیث: (2842)، (4/ 2184).

[36] "تفسیر القرآن العظیم"؛ لابن کثیر، (8/ 399).

ما المراد بیوم القیامة؟

ما المراد بیوم القیامة؟


الباحث : محمد طاهر قاسمی


سیأتی یوم یُبید الحیُّ القیوم فیه الحیاة والأحیاء، مصداقًا لقوله تعالى: ﴿ کُلُّ مَنْ عَلَیْهَا فَانٍ * وَیَبْقَى وَجْهُ رَبِّکَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِکْرَامِ[1]، وقوله تعالی: ﴿ کُلُّ شَیْءٍ هَالِکٌ إِلَّا وَجْهَهُ[2].

 

لا بدَّ للکلِّ أن یذوق الموت وأن یجاوز هذه القنطرة، ومنهم من یصل إلی الحبیب، ومنهم من یصل إلی الذی کان یکرهه، قال النبی صلى الله علیه وسلم: ((مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ کَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ کَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ))[3].

 

ویکون فی مضجعه ویحس بما أعد الله له من خیر أو شر حسب عمله، فإذا کان محسنًا فإن الله تعالی یفتح له بابًا من نِعمه التی خبَّأ له وإذا کان مسیئًا یفتح له بابًا من نقمه التی وعدها إیَّاه، عن عبدالله بن عمر[4] رضی الله عنهما أنَّ رسول الله صلى الله علیه وسلم قال: ((إن أحدکم إذا مات عُرض علیه مقعده بالغداة والعشی إن کان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن کان من أهل النار فمن أهل النار فیقال: هذا مقعدک حتى یبعثک الله یوم القیامة))[5].

 

ثم یأتی وقت یعید الله العباد ویبعثهم، بعد ما کانوا عظامًا نخرة، قال تعالی: ﴿ وَنُفِخَ فِی الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ یَنْسِلُونَ * قَالُوا یَا وَیْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ[6]، فیوقفهم بین یدیه ویحاسبهم على ما قدَّموه من أعمال، وعامل الخیر یری أمامه خیرًا وکتابه بیمینه وأما عامل الشر فیری أمامه ما هو ناتج علیه، قال تعالی: ﴿ یَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْکُمْ خَافِیَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِیَ کِتَابَهُ بِیَمِینِهِ فَیَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا کِتَابِیَهْ * إِنِّی ظَنَنْتُ أَنِّی مُلَاقٍ حِسَابِیَهْ * فَهُوَ فِی عِیشَةٍ رَاضِیَةٍ * فِی جَنَّةٍ عَالِیَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِیَةٌ * کُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِیئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِی الْأَیَّامِ الْخَالِیَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِیَ کِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَیَقُولُ یَا لَیْتَنِی لَمْ أُوتَ کِتَابِیَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِیَهْ * یَا لَیْتَهَا کَانَتِ الْقَاضِیَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّی مَالِیَهْ * هَلَکَ عَنِّی سُلْطَانِیَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِیمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِی سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُکُوهُ[7]، وسیلاقی العباد فی هذا الیوم شیئًا عظیمًا من الأهوال، قال تعالی: ﴿ یَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ کُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ کُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُکَارَى وَمَا هُمْ بِسُکَارَى وَلَکِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِیدٌ[8]، وأیضًا قال تعالی: ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * یَوْمَ یَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِیهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِیهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِیهِ * لِکُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ یَوْمَئِذٍ شَأْنٌ یُغْنِیهِ [9].

 

ولا ینجو من تلک الأهوال إلا مَن أعدَّ لذلک الیوم عدَّتَه من الإیمان والعمل الصالح، قال تعالی: ﴿ وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِکَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ عَلَیْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُولَئِکَ هُمُ الْکَفَرَةُ الْفَجَرَةُ [10]، وأیضًا قال تعالی: ﴿ هَلْ أَتَاکَ حَدِیثُ الْغَاشِیَةِ * وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِیَةً * تُسْقَى مِنْ عَیْنٍ آنِیَةٍ * لَیْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِیعٍ * لَا یُسْمِنُ وَلَا یُغْنِی مِنْ جُوعٍ * وُجُوهٌ یَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ * لِسَعْیِهَا رَاضِیَةٌ * فِی جَنَّةٍ عَالِیَةٍ * لَا تَسْمَعُ فِیهَا لَاغِیَةً * فِیهَا عَیْنٌ جَارِیَةٌ * فِیهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَکْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ * وَزَرَابِیُّ مَبْثُوثَةٌ[11].

 

ویُساق العباد فی ختام ذلک الیوم إلى دار القرار؛ الجنة أو النار، قال تعالی: ﴿ وَأَصْحَابُ الْیَمِینِ مَا أَصْحَابُ الْیَمِینِ * فِی سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ * وَمَاءٍ مَسْکُوبٍ * وَفَاکِهَةٍ کَثِیرَةٍ * لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْکَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِأَصْحَابِ الْیَمِینِ * ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِینَ * وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِینَ * وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ * فِی سَمُومٍ وَحَمِیمٍ * وَظِلٍّ مِنْ یَحْمُومٍ * لَا بَارِدٍ وَلَا کَرِیمٍ * إِنَّهُمْ کَانُوا قَبْلَ ذَلِکَ مُتْرَفِینَ * وَکَانُوا یُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِیمِ * وَکَانُوا یَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَکُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ * أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ * قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِینَ وَالْآخِرِینَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِیقَاتِ یَوْمٍ مَعْلُومٍ[12].

هذا الیوم هو یوم القیامة.



[1] سورة الرحمن: (26، 27).

[2] سورة القصص: (88).

[3] متفق علیه: أخرجه البخاری فی صحیحه، کتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، رقم الحدیث (6142)، (5/ 2386)، دار ابن کثیر، الیمامة بیروت، الطبعة الثالثة، (1407 1987)، تحقیق: د. مصطفى دیب البغا أستاذ الحدیث وعلومه فی کلیة الشریعة جامعة دمشق، عدد الأجزاء: 6.

وأخرجه مسلم فی صحیحه، فی الذکر والتوبة، باب مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَمَنْ کَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ کَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ، رقم الحدیث، (2683)، (8/ 65)، دار الجیل بیروت دار الأفاق الجدیدة بیروت، عدد الأجزاء: ثمانیة أجزاء فی أربع مجلدات.

[4] ابن عمر (10 ق هـ 73 هـ = 613 م 692 م) هو: عبدالله بن عمر بن الخطاب، أبو عبدالرحمن، قرشی عدوی، صاحب رسول الله صلى الله علیه وسلم، نشأ فی الإسلام، وهاجر مع أبیه إلى الله ورسوله، شهد الخندقَ وما بعدها، ولم یشهد بدرًا ولا أُحدًا لصغره، أفتى الناس ستین سنة، ولما قتل عثمان عرض علیه ناس أن یبایعوه بالخلافة فأبى، شهد فتحَ إفریقیة، کفَّ بصره فی آخر حیاته، کان آخرَ مَن توفی بمکة من الصحابة، هو أحد المکثِرین من الحدیث عن الرسول صلى الله علیه وسلم. راجع: الإصابة فی تمییز الصحابة، لأحمد بن علی بن حجر أبی الفضل العسقلانی الشافعی، (3/ 181)، دار الجیل بیروت، الطبعة الأولى، (1412)، تحقیق: علی محمد البجاوی، عدد الأجزاء: (8)، و(معرفة الصحابة، أبو نعیم أحمد بن عبدالله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهانی (المتوفى: 430هـ)، (3/ 1705)، تحقیق: عادل بن یوسف العزازی، دار الوطن للنشر الریاض، الطبعة: الأولى 1419 هـ 1998 م، عدد الأجزاء: 7 (6، ومجلد فهارس)، و(الأعلام، خیر الدین بن محمود بن محمد بن علی بن فارس، الزرکلی الدمشقی (المتوفى: 1396هـ) (4/ 108)، دار العلم للملایین، الطبعة: الخامسة عشر أیار/ مایو 2002 م).

[5] متفق علیه: أخرجه البخاری فی صحیحه، کتاب الجنائز، باب المیت یُعرض علیه بالغداة والعشی، رقم الحدیث: (1313)، (1/ 464)، وأخرجه مسلم فی صحیحه، کتاب الجنة وصفة نعیمها وأهلها، باب عَرْضِ مَقْعَدِ الْمَیِّتِ مِنَ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ عَلَیْهِ وَإِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَالتَّعَوُّذِ مِنْهُ، رقم الحدیث: (2866)، (8/ 160).

[6] سورة یس: (51، 52).

[7] سورة الحاقة: (18 - 32).

[8] سورة الحج: (2).

[9] سورة عبس: (33 - 37).

[10] سورة عبس: (38 - 42).

[11] سورة الغاشیة: (1 - 16).

[12] سورة الواقعة: (27 - 49).