أخذ الکتاب بالیمین

أخذ الکتاب بالیمین

الباحث: محمد طاهر قاسمی

هذا مشهد من مشاهد الآخرة، وهو مشهد النَّجاح والفلاح للذین آمنوا بربهم وعبدوه سرًّا وعلانیة بلا ریاء وسُمعة، وتوکَّلوا علیه ولم یتَّکلوا على غیره طَرفةَ عین؛ وذلک فوز عظیم لهم؛ لأنهم فی ذلک الیوم یکونون مستبشرین بنِعَم الله عز وجل، فرِحین بما آتاهم الله، ویتسلَّمون کتبهم بأیمانهم، قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِیَ کِتَابَهُ بِیَمِینِهِ ﴾[1].

وبعد ذلک یحاسبون حسابًا یسیرًا، قال الله تعالى: ﴿ فَسَوْفَ یُحَاسَبُ حِسَابًا یَسِیرًا ﴾[2].

وعن عائشة رضی الله عنها فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِیَ کِتَابَهُ بِیَمِینِهِ * فَسَوْفَ یُحَاسَبُ حِسَابًا یَسِیرًا ﴾ قَالَتْ: قال رسولُ الله صلى الله علیه وسلم: ((لَیْسَ أَحَدٌ یُحَاسَبُ إِلَّا هَلَکَ))، قَالَتْ: قُلْتُ: یَا رَسول الله، جَعَلَنِی اللهُ فِدَاءَکَ، أَلَیْسَ یَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِیَ کِتَابَهُ بِیَمِینِهِ * فَسَوْفَ یُحَاسَبُ حِسَابًا یَسِیرًا ﴾ قال: ((ذَاک العَرْضُ یُعْرَضُونَ، وَمَنْ نُوقِشَ الحِسَابَ هَلَکَ))[3].

وأیضًا قالت عَائِشَة رضی الله عنها فی تفسیر قوله تعالى ﴿ فَسَوْفَ یُحَاسَبُ حِسَابًا یَسِیرًا ﴾، سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علیه وسلم یَقُولُ فی بَعْضِ صَلَاتِهِ: ((اللَّهُمَّ حَاسِبْنِی حِسَابًا یَسِیرًا))، فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: یَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْحِسَابُ الْیَسِیرُ؟ قال: ((أَنْ یَنْظُرَ فِی کِتَابِهِ فَیَتَجَاوَزَ لَهُ عَنْهُ، إِنَّهُ مَنْ نُوِقش الحسابَ یَا عائشةُ یَوْمَئِذٍ هَلَکَ))[4].

وینقلبون إلى أهلهم مسرورین، قال الله تعالى: ﴿ وَیَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾[5].

وقال قتادة رحمه الله تعالى فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ وَیَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾ "إلى أهْلٍ أعدَّ الله لهم الجنة"[6].

وقال البغوی رحمه الله تعالى فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ وَیَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾ "وَیَنْقَلِبُ إِلى أَهْلِهِ، یَعْنِی: فِی الْجَنَّةِ مِنَ الْحُورِ الْعِینِ وَالْآدَمِیَّاتِ، مَسْرُورًا بِمَا أُوتِیَ مِنَ الْخَیْرِ وَالْکَرَامَةِ"[7].

وقال القرطبی رحمه الله تعالى فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ وَیَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾ "أَزْوَاجِهِ فِی الْجَنَّةِ مِنَ الْحُورِ الْعِینِ، مَسْرُورًا؛ أَیْ: مُغْتَبِطًا قَرِیرَ الْعَیْنِ"[8].

وذکر القرطبی رحمه الله تعالى قولًا آخر بصیغة التمریض (قیل) فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ وَیَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾ "وَقِیلَ: إِلَى أَهْلِهِ الَّذِینَ کَانُوا لَهُ فِی الدُّنْیَا، لِیُخْبِرَهُمْ بِخَلَاصِهِ وَسَلَامَتِهِ"[9].

وصوَّرتْ هذا المشهد الآیاتُ الکریمة، قال الله تعالى: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِیَ کِتَابَهُ بِیَمِینِهِ * فَیَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا کِتَابِیَهْ * إِنِّی ظَنَنْتُ أَنِّی مُلَاقٍ حِسَابِیَهْ * فَهُوَ فِی عِیشَةٍ رَاضِیَةٍ * فِی جَنَّةٍ عَالِیَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِیَةٌ * کُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِیئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِی الْأَیَّامِ الْخَالِیَةِ ﴾[10].

---

[1] سورة الانشقاق: (7).

[2] سورة الانشقاق: (8).

[3] أخرجه البخاری فی صحیحه، کتاب تفسیر القرآن، بَابُ ﴿ فَسَوْفَ یُحَاسَبُ حِسَابًا یَسِیرًا ﴾ [الانشقاق: 8]، رقم الحدیث: (4939)، (6/ 167).

[4] أخرجه الطبری فی تفسیره "جامع البیان فی تأویل القرآن"، (24/ 313)، و"تفسیر القرآن العظیم"؛ لابن کثیر، (8/ 357) وقال ابن کثیر رحمه الله: "صَحِیحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ".

[5] سورة الانشقاق: (9).

[6] أخرجه الطبری فی تفسیره "جامع البیان فی تأویل القرآن"، (24/ 315)، و"الجامع لأحکام القرآن"؛ للقرطبی، (19/ 272).

[7] "معالم التنزیل فی تفسیر القرآن"؛ للبغوی، (5/ 229).

[8] "الجامع لأحکام القرآن"؛ للقرطبی، (19/ 272).

[9] المصدر نفسه.

[10] سورة الحاقة: (19 - 24).

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/sharia/0/124361/#ixzz57KIpi6r9