وبلاگ رسمی دکتور محمد طاهر قاسمی

وبلاگ رسمی دکتور محمد طاهر قاسمی

باز تابی از آثار علمی و تحقیقی اندیشمند جوان افغان به زبان های عربی و فارسی
وبلاگ رسمی دکتور محمد طاهر قاسمی

وبلاگ رسمی دکتور محمد طاهر قاسمی

باز تابی از آثار علمی و تحقیقی اندیشمند جوان افغان به زبان های عربی و فارسی

یوم القیامة وأهواله

یوم القیامة وأهواله

الباحث: محمد طاهر قاسمی

یوم القیامة یوم عظیمٌ أمره، شدیدٌ هوله، لا یلاقی العباد مثلَه، ویدلُّ على عظم هوله أمور:

الأول: وصفُ الله لذلک الیوم بالعظم، وحسبنا أن ربَّنا وصفه بذلک، لیکون أعظم مما نتصوَّر، وأکبر مما نتخیَّل، قال الله تعالى: ﴿ أَلَا یَظُنُّ أُولَئِکَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِیَوْمٍ عَظِیمٍ * یَوْمَ یَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِینَ[1]، کما وصفه بالثقل والعسر، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ هَؤُلَاء یُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَیَذَرُونَ وَرَاءهُمْ یَوْمًا ثَقِیلًا[2]، وقال تعالى: ﴿ فَذَلِکَ یَوْمَئِذٍ یَوْمٌ عَسِیرٌ * عَلَى الْکَافِرِینَ غَیْرُ یَسِیرٍ[3].

 

ووصف فی موضع آخر ما یصیب القلوبَ والأبصار فی ذلک الیوم، قال الله تعالى: ﴿ قُلُوبٌ یَوْمَئِذٍ وَاجِفَةٌ * أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ[4]، وقال تعالى: ﴿ یَخَافُونَ یَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِیهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ[5].

 

الثانی: کل إنسان فی ذلک الیوم یهتمُّ بنفسه، ولا یلتفتُ إلى غیره؛ بل إن الإنسان یفرُّ مِن أحبِّ الناس إلیه، یفرُّ من أخیه وأمِّه وأبیه وصاحبتِه وبَنیه، کما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * یَوْمَ یَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِیهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِیهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِیهِ * لِکُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ یَوْمَئِذٍ شَأْنٌ یُغْنِیهِ[6]، کما تنقطع علائقُ الأنساب فی ذلک الیوم، کما قال تعالى: ﴿ فَإِذَا نُفِخَ فِی الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَیْنَهُمْ یَوْمَئِذٍ وَلَا یَتَسَاءَلُونَ[7].

 

وقال فی موضعٍ آخر: ﴿ یَا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمْ وَاخْشَوْا یَوْمًا لَا یَجْزِی وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَیْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ[8]، وقال الله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا یَوْمًا لَا تَجْزِی نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَیْئًا وَلا یُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا یُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ یُنْصَرُونَ[9].

 

الثالث: الرُّعْب والفزَع الذی یصیب العبادَ فی ذلک الیوم؛ فالمرضع التی تفدی ولیدها بنفسها تذهل عنه فی ذلک الیوم، والحامل تسقط حملها، والناس یکون حالهم کحال السکارى الذین فقَدوا عقولَهم، قال الله تعالى: ﴿ یَا أَیُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّکُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَیْءٌ عَظِیمٌ * یَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ کُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ کُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُکَارَى وَمَا هُمْ بِسُکَارَى وَلَکِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِیدٌ[10].

 

ولشدَّة الهَوْل تَشخص أبصار الظلمة فی ذلک الیوم، فلا تطرف لشدَّة الرعب، ولا یلتفتون یمینًا ولا شمالًا، ولشدة الخوف تصبح أفئدتهم خالیةً لا تعی شیئًا ولا تعقل شیئًا، قال الله تعالى: ﴿ وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا یَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا یُؤَخِّرُهُمْ لِیَوْمٍ تَشْخَصُ فِیهِ الأَبْصَارُ * مُهْطِعِینَ مُقْنِعِی رُءُوسِهِمْ لَا یَرْتَدُّ إِلَیْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ[11].

 

وترتفع قلوبُ الظالمین لشدَّة الهَوْل إلى حناجرهم، فلا تخرج، ولا تستقرُّ فی مکانها، قال الله تعالى: ﴿ وَأَنْذِرْهُمْ یَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ کَاظِمِینَ[12]، ومعنى کاظمین، أی: ساکتین لا یتکلَّمون.

 

وحسبک أن تعلم أنَّ الولید الذی لم یرتکب جرمًا یشیب شَعرُ رأسه لشدَّة ما یرى من أهوال، قال الله تعالى: ﴿ فَکَیْفَ تَتَّقُونَ إِنْ کَفَرْتُمْ یَوْمًا یَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِیبًا * السَّمَاء مُنفَطِرٌ بِهِ کَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا[13].

 

الرابع: استعداد الکفَّار فی یوم الدِّین لبَذْل کل شیء فی سبیل الخلاص من العذاب، فلو کانوا یملکون ما فی الأرض لافتدوا به، قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ لِکُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِی الْأَرْضِ لَافْتَدَتْ بِهِ[14]، بل لو کان للکافر ضعف ما فی الأرض لافتدى به، قال الله تعالى: ﴿ وَالَّذِینَ لَمْ یَسْتَجِیبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِی الأَرْضِ جَمِیعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُوْلَئِکَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ[15]، بل هو على استعداد أن یبذل ما عنده ولو کان مِلْء الأرض ذهبًا، وعلى احتمال أن کان الأمر کذلک، فإنَّ الله لا یقبل منه، قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ کُفَّارٌ فَلَن یُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِکَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِینَ[16].

 

ویصل الحال بالکافر فی ذلک الیوم أن یتمنَّى لو دَفَع بأعزِّ الناس عنده فی النار لینجو هو مِن العذاب، قال الله تعالى: ﴿ یَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ یَفْتَدِی مِنْ عَذَابِ یَوْمِئِذٍ بِبَنِیهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِیهِ * وَفَصِیلَتِهِ الَّتِی تُؤْویهِ * وَمَنْ فِی الْأَرْضِ جَمِیعًا ثُمَّ یُنْجِیهِ * کَلَّا إِنَّهَا لَظَى[17].

 

الخامس: ویدلُّک على هَوْل ذلک الیوم وشدَّته: طوله، قال الله تعالى: ﴿ تَعْرُجُ الْمَلَائِکَةُ وَالرُّوحُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ کَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِیلًا * إِنَّهُمْ یَرَوْنَهُ بَعِیدًا * وَنَرَاهُ قَرِیبًا[18].

 

ولِطول ذلک الیوم یظنُّ الناس فی یوم المعاد أنَّهم لم یلبثوا فی الحیاة الدنیا إلَّا ساعةً من نهار، کما قال تعالى: ﴿ وَیَوْمَ یَحْشُرُهُمْ کَأَنْ لَمْ یَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ[19].

 

وقال ابن کثیر فی تفسیره لهذه الآیة: "یقول تعالى مُذَکِّرًا لِلنَّاسِ قِیَامَ السَّاعَةِ وَحَشْرَهُمْ مِنْ أجداثهم إلى عرصات القیامة: وَیَوْمَ یَحْشُرُهُمْ الآیة، کقوله تعالى: ﴿ کَأَنَّهُمْ یَوْمَ یَرَوْنَهَا لَمْ یَلْبَثُوا إِلَّا عَشِیَّةً أَوْ ضُحَاهَا[20]"[21].

 

وقال الله تعالى: ﴿ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا یَقُولُونَ إِذْ یَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِیقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا یَوْمًا[22]، وقال الله تعالى: ﴿ وَیَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ یُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَیْرَ سَاعَةٍ[23]، وهذا دلیل على استقصار الحیاة الدنیا فی الدار الآخرة، کقوله تعالى: ﴿ قَالَ کَمْ لَبِثْتُمْ فِی الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِینَ * قَالُوا لَبِثْنَا یَوْمًا أَوْ بَعْضَ یَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّینَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِیلًا لَوْ أَنَّکُمْ کُنْتُمْ تَعْلَمُونَ[24].



[1] سورة المطففین: (4 - 6).

[2] سورة الإنسان: (27).

[3] سورة المدثر: (9، 10).

[4] سورة النازعات: (8، 9).

[5] سورة النور: (37).

[6] سورة عبس: (33 - 37).

[7] سورة المؤمنون: (101).

[8] سورة لقمان: (33).

[9] سورة البقرة: (48).

[10] سورة الحج: (1، 2).

[11] سورة إبراهیم: (42، 43).

[12] سورة غافر: (18).

[13] سورة المزمل: (17، 18).

[14] سورة یونس: (54).

[15] سورة الرعد: (18).

[16] سورة آل عمران: (91).

[17] سورة المعارج: (11 - 15).

[18] سورة المعارج: (4 - 7).

[19] سورة یونس: (45).

[20] سورة النازعات: (46).

[21] "تفسیر القرآن العظیم"؛ لابن کثیر، (4/ 236).

[22] سورة طه: (104).

[23] سورة الروم: (55).

[24] سورة المؤمنون: (112 - 114).

معنى البعث والنشور

معنى البعث والنشور

 الباحث محمد طاهر قاسمی

البعث فی اللغة:

البعث مأخوذ من بَعَثَهُ یَبْعَثُه بَعْثًا، أی: أَرْسَلَهُ وَحْدَه، وبَعَثَ به، أی: أَرسله مع غیره وابْتَعَثَه أَیضًا، أَی: أَرسله.

 

وقال الجوهری رحمه الله تعالى: "بعثه وابتعثه بمعنى، أی: أرسله، فانبعثَ، وقولهم: کنتَ فی بَعْثِ فلانٍ، أی: فی جیشه الذی بُعِثَ معه، والبُعوثُ: الجیوش، وبَعَثْتُ الناقةَ: أَثَرْتُها، وبَعَثَهُ من منامه، أی: أهَبَّه، وبَعَثَ الموتى: نَشَرَهُمْ لیوم البعث، وانْبَعَثَ فی السیر، أی: أسرع، وتَبَعَّثَ منِّی الشِّعْرُ، أی: انبعثَ، کأنَّه سارَ"[1].

 

والاختلاف فی تعریف البعث لغةً باعتبار ما علق به فی الاستعمال والإرادة؛ فقد یُطلق ویراد به معنى من المعانی الآتیة:

منها الإرسال: یقال: بعثت فلانًا أو ابتعثته، أی: أرسلته.

ومنها البعث مِن النوم: یقال: بعثه مِن منامه: إذا أیقظه.

ومنها الإثارة: وهو أصل فی معنى البعث، ومنه قیل للناقة: بعثتها؛ إذا أثرتها وکانت قبل بارکةً[2].

 

وقال الرَّاغب[3] رحمه الله تعالى: "أصل البعث: إثارة الشیء وتوجیهه، یقال: بعثته فانبعث، ویختلف البعث بحسب اختلاف ما علِّق به، فبعثت البعیر: أثرته وسیَّرته، وقوله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا یَسْتَجِیبُ الَّذِینَ یَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى یَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَیْهِ یُرْجَعُونَ[4]، أی: یخرجهم ویسیِّرهم إلى القیامة"[5].

 

وقال الأزهری[6] رحمه الله تعالى: "والبعث فی کَلَام الْعَرَب على وَجْهَیْن، أَحدهمَا: الْإِرْسَال؛ کَقَوْل الله تَعَالَى: ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسَى[7]، مَعْنَاهُ: أرسلنَا... وثانیها: الْإِحْیَاء من الله للموتى، وَمِنْه قَوْله جلَّ وعزَّ: ﴿ ثُمَّ بَعَثْنَاکُم مِنْ بَعْدِ مَوْتِکُمْ[8]، أَی: أحییناکم"[9].

 

وقال الرَّاغب رحمه الله تعالى: "فالبعث ضربان: بشری؛ کبعث البعیر، وبعث الإنسان فی حاجة، وإلهی، وذلک ضربان، أحدهما: إیجاد الأعیان والأجناس والأنواع؛ وذلک یختصُّ به الباری تعالى، ولم یقدر علیه أحد، والثانی: إحیاء الموتى، وقد خَصَّ بذلک بعضَ أولیائه؛ کعیسى صلى الله علیه وسلم وأمثاله، ومنه قوله عزوجل: ﴿ فَهَذَا یَوْمُ الْبَعْثِ ﴾، یعنی: یوم الحشر"[10].

 

(ب): البعث فی الشرع:

المراد بالبعث فی الشَّرع هو: إحیاء الله الموتى وإخراجُهم من قبورهم للحساب والجزاء.

قال الإمام ابن کثیر رحمه الله تعالى: "البعث: هُوَ الْمَعَادُ وَقِیَامُ الْأَرْوَاحِ وَالْأَجْسَادِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ"[11].

 

وقال السفارینی[12] رحمه الله تعالى: "أمَّا الْبَعْثُ فَالْمُرَادُ بِهِ: الْمَعَادُ الْجُسْمَانِیُّ؛ فَإِنَّهُ الْمُتَبَادِرُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ إِذْ هُوَ الَّذِی یَجِبُ اعْتِقَادُهُ وَیُکَفَّرُ مُنْکِرُهُ"[13].

 

وقال السید سابق رحمه الله تعالى عن البعث: "وهو إعادة الإنسان روحًا وجسدًا، کما کان فی الدنیا"[14].

وهکذا یکون حینما تتعلق إرادة الله تبارک وتعالى بذلک؛ فیخرجون من القبور حفاة عراة غُرلًا بُهْمًا، ویساقون ویجمعون إلى الموقف لمحاسبتهم ونیل کل مخلوق ما یستحقه من الجزاء العادل.

 

وهذا ما تشیر إلیه کثیر من الآیات الواردة فی کتاب الله عز وجل، کما قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ[15].

وقوله تعالى: ﴿ أَفَلَا یَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِی الْقُبُورِ[16].

 

وقوله تعالى: ﴿ ذَلِکَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ یُحْیِی الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ - وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِیَةٌ لَا رَیْبَ فِیهَا وَأَنَّ اللَّهَ یَبْعَثُ مَنْ فِی الْقُبُورِ[17].

 

وقوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا یَسْتَجِیبُ الَّذِینَ یَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى یَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَیْهِ یُرْجَعُونَ[18].

وبالمقارنة بین المعنى الشرعی لکلمة (البعث) والمعنى اللغوی لها نجد ترابطًا ظاهرًا؛ وذلک أن من معانی البعث فی اللُّغة الإثارة لما کان ساکنًا مِن قبل، وکذا الإرسال کما فی قوله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِی کُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ[19].

 

وهذا ما جاء فی کلمة البعث مرادًا بها معناها الشرعی الذی هو إرسال الحیاة إلى الأموات وإثارتها من جدید، لتتهیَّأ لما یراد منها من الانطلاق إلى الموقف للحساب.

 

فالبعث هو: المعاد الجسمانی فإنه المتبادر عند الإطلاق؛ إذ هو الذی یجب اعتقاده ویَکفر منکره؛ کما قال الإمام المحقِّق ابن القیم[20] رحمه الله تعالى:

"معاد الأبدان متَّفَق علیه بین المسلمین، والیهود، والنصارى"[21].

 

ولهذا قال الإمام الرازی[22] رحمه الله تعالى: "وَلا شَکَّ أَنَّ مَنْ أَنْکَرَ الْحَشْرَ وَالْبَعْثَ الْجُسْمَانِیَّ، فَقَدْ أَنْکَرَ صَرِیحَ الْقُرْآنِ..."[23].

 

تعریف النشور:

النشر فی اللغة:

ذکر الرَّاغب الأصفهانی رحمه الله تعالى للنشر معانی عدیدة.

منها: البسط، والانتشار، وتقلب الإنسان فی حوائجه والتفرق.

 

أما مجیئه بمعنى البسط فمثل قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ[24]، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا[25]، أی: الملائکة التی تنشر الریاح أو الریاح التی تنشر السحاب.

 

وأما مجیئه بمعنى الانتشار فمثل قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِی جَعَلَ لَکُمُ اللَّیْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا[26]، أی: جعل فیه الانتشار وابتغاء الرزق.

 

وأما مجیئه بمعنى تقلُّب الإنسان فی حوائجه قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا قُضِیَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِی الأَرْضِ[27]، أی: تفرَّقوا فیها، وقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا[28]، أی: تفرقوا[29].

 

وذکر الأزهریُّ رحمه الله تعالى: "النشر: الحیاة، والنشر: الریح الطیبة"[30].

وأیضًا قال: "أنشر الله الموتى فنشروا: إذا حیوا..."[31].

وأیضًا قال: "نشرهم الله، أی: بعثهم، کما قال الله تعالى: ﴿ وَإِلَیْهِ النُّشُورُ[32]".

وقال ابن الأثیر رحمه الله تعالى: "یُقَالُ: نَشَرَ المیتُ یَنْشُرُ نُشُورًا، إِذَا عَاشَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وأَنْشَرَهُ الله، أَی: أَحْیَاهُ"[33].

 

النشور فی الاصطلاح:

یطلق ویراد به معنى البعث ومرادف له، وهو: "انتشار الناس من قبورهم إلى الموقف للحساب والجزاء".

 

وإذا کان من المعانی اللغویة الانتشار والتفرُّق والانبساط والبعث، فهی معان عامَّة یدخل فیها المعنى الاصطلاحی، وهو: "نشر الله الأموات وإحیاؤهم من قبورهم".

 

فالنشور یراد به سریان الحیاة فی الأموات، من أنه یراد به البعث فی الیوم الآخر وخروج الناس من قبورهم أحیاء؛ وهذا ما فسر به قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ[34].

 

قال ابن کثیر رحمه الله تعالى فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ ﴾، "أَیْ: بَعَثَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَمِنْهُ یُقَالُ: الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ"[35].

 

وأیضًا جاء فی الحدیث عن حذیفة بن الیمان[36] رضی الله عنهما قال: کَانَ النَّبِیُّ صلى الله علیه وسلم إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، قال: ((بِاسْمِکَ أَمُوتُ وَأَحْیَا))، وَإِذَا قَامَ قال: ((الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِی أَحْیَانَا بَعْدما أَمَاتَنَا وَإِلَیْهِ النُّشُورُ))[37].

 

وقال السفارینیُّ رحمه الله تعالى: "وَأَمَّا النُّشُورُ فَهُوَ یُرَادِفُ الْبَعْثَ فِی الْمَعْنَى، یُقَالُ: نُشِرَ الْمَیِّتُ یُنْشَرُ نُشُورًا: إِذَا عَاشَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَنْشَرَهُ اللَّهُ، أَیْ: أَحْیَاهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: یَوْمُ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ"[38].

 

الفرق بین البَعْث والنشور:

المراد بالبعث إخراج الناس: مِن القبور إلى الموقف، والمراد بالنشور ظهور المبعوثین وظهور أعمالهم للمخلوقات.

 

قال أبو هلال[39] رحمه الله تعالى:

"إنَّ بعث الْخلق: اسْمٌ لإخراجهم من قُبُورهم إِلَى الْموقف، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: ﴿ مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا ﴾.

والنشور: اسْمٌ لظُهُور المبعوثین وَظُهُور أعمالهم لِلْخَلَائِقِ، وَمِنْه قَوْلک: نشرت اسْمک ونشرت فَضِیلَة فلَان، إِلَّا أَنه قیل: أنشر الله الْمَوْتَى بِالْألف ونشرت الْفَضِیلَة وَالثَّوْب؛ للْفرق بَین الْمَعْنیین"[40].



[1] الصحاح تاج اللغة وصحاح العربیة للجوهری، مادة: (ب ع ث)، (1/ 273).

[2] راجع: "لسان العرب"؛ لابن منظور، مادة: (ب ع ث)، (2/ 116).

[3] الراغب (؟ 502 هـ =؟ 1108 م)، هو: الحسین بن محمد بن المفضل، أبو القاسم الأصفهانی (أو الأصبهانی) المعروف بالراغب: أدیب، مِن الحکماء العلماء، من أهل (أصبهان) سکن بغداد، واشتهر، حتى کان یقرن بالإمام الغزالی، ومن کتبه (محاضرات الأدباء) مجلدان، و(الذریعة إلى مکارم الشریعة) و(الأخلاق) ویسمى (أخلاق الراغب) و(جامع التفاسیر) کبیر، طبعت مقدمته، أخذ عنه البیضاوی فی تفسیره، و(المفردات فی غریب القرآن) و...

راجع: "سیر أعلام النبلاء"؛ للذهبی، (18/ 120 121)، و"الأعلام"؛ للزرکلی، (6/ 347 348).

[4] سورة الأنعام: (36).

[5] "مفردات ألفاظ القرآن"؛ للراغب الأصفهانی، مادة: (ب ع ث)، (1/ 101).

[6] الأزهری (282 370 هـ = 895 981 م)، هو: محمد بن أحمد بن الأزهری الهروی، أبو منصور، أحد الأئمَّة فی اللغة والأدب، مولده ووفاته فی هراة بخراسان، نسبته إلى جده (الأزهر)، عُنی بالفقه فاشتهر به أولًا، ثمَّ غلب علیه التبحُّر فی العربیة، فرحل فی طلبها وقصد القبائلَ وتوسَّع فی أخبارهم، وسمع ببغداد من: أبی القاسم البغوی، وابن أبی داود... روى عنه: أبو عبید الهروی مؤلف (الغریبین)، وأبو یعقوب القراب، وأبو ذر عبد بن أحمد الحافظ، وآخرون، وکان رأسًا فی اللغة والفقه، ثقة، ثبتًا، دیِّنًا، ومن کتبه (غریب الألفاظ التی استعملها الفقهاء) و(تفسیر القرآن)...

راجع: "تهذیب اللغة"؛ لمحمد بن أحمد بن الأزهری الهروی، أبی منصور (المتوفى: 370 هـ، (1/ 8)، المحقق: محمد عوض مرعب، دار إحیاء التراث العربی بیروت، الطبعة: الأولى، 2001م، عدد الأجزاء: (15)، و"سیر أعلام النبلاء"؛ للذهبی، (16/ 315 317)، و"الأعلام"؛ للزرکلی، (5/ 311).

[7] سورة الأعراف: (103).

[8] سورة البقرة: (56).

[9] "تهذیب اللغة"؛ لمحمد بن أحمد بن الأزهری مادة: (ب ع ث)، (2/ 201، 202).

[10] "مفردات ألفاظ القرآن"؛ للراغب الأصفهانی، مادة: (ب ع ث)، (1/ 101، 102).

[11] "تفسیر القرآن العظیم"؛ لابن کثیر، (5/ 395).

[12] السفارینی (1114 1188 هـ = 1702 1774 م)، هو: محمد بن أحمد بن سالم أبو سلیمان، أبو العون، السفارینی، النابلسی، الحنبلی، المعروف بالسفارینی، محدِّث، فقیه، أصولی، مؤرِّخ، مشارک فی العلوم، ولد فی سفارین (من قرى نابلس) ورحل إلى دمشق فأخذ عن عبدالغنی بن إسماعیل النابلسی ومحمد بن عبدالرحمن الغزی وغیرهم، وعاد إلى نابلس فدرس وأفتى وتوفی فیها، من تصانیفه: (لوامع الأنوار البهیة وسواطع الأسرار الأثریة لشرح الدرة المضیة فی عقد الفرقة المرضیة)، و(اللمعة فی فضائل الجمعة)، و...

راجع: "سلک الدرر فی أعیان القرن الثانی عشر"؛ لمحمد خلیل بن علی بن محمد بن محمد مراد الحسینی، أبی الفضل (المتوفى: 1206هـ)، (3/ 117)، دار البشائر الإسلامیة، دار ابن حزم، الطبعة: الثالثة، 1408 هـ 1988 م، عدد الأجزاء: (4)، "معجم المؤلفین"؛ لعمر بن رضا بن محمد راغب بن عبدالغنی کحالة الدمشقی (المتوفى: 1408هـ)، (8/ 262)، مکتبة المثنى بیروت، دار إحیاء التراث العربی بیروت، عدد الأجزاء: (13)، و"الأعلام"؛ للزرکلی، (6/ 14).

[13] لوامع الأنوار البهیة وسواطع الأسرار الأثریة لشرح الدرة المضیة فی عقد الفرقة المرضیة، لشمس الدین، أبو العون محمد بن أحمد بن سالم السفارینی الحنبلی، المتوفى: 1188هـ، (2/ 157)، مؤسسة الخافقین ومکتبتها دمشق، الطبعة: الثانیة 1402 هـ = 1982 م، عدد الأجزاء: (2).

[14] العقائد الإسلامیة، لسید سابق (المتوفى: 1420هـ)، (ص269)، دار الکتاب العربی بیروت، عدد الأجزاء: (1).

[15] سورة الانفطار: (4).

[16] سورة العادیات: (9).

[17] سورة الحج: (6 - 7).

[18] سورة الأنعام: (36).

[19] سورة النحل: (36).

[20] ابن القیم (691 751 هـ = 1292 1350 م)، هو: محمد بن أبی بکر بن أیوب بن سعد الزرعی الدمشقی، أبو عبدالله، شمس الدین: من أرکان الإصلاح الإسلامی، وأحد کبار العلماء، مولده ووفاته فی دمشق، تتلمذ لشیخ الإسلام ابن تیمیة حتى کان لا یخرج عن شیء من أقواله، بل ینتصر له فی جمیع ما یصدر عنه، وهو الذی هذَّب کتبَه ونشر علمه، وسجن معه فی قلعة دمشق، وأهین وعُذِّب بسببه، وکان حسن الخلق محبوبًا عند الناس، أُغرم بحبِّ الکتب، فجمع منها عددًا عظیمًا، وکتب بخطه الحسن شیئًا کثیرًا، وألَّف تصانیف کثیرة، منها: (إعلام الموقعین) و(الطرق الحکمیة فی السیاسة الشرعیة) و(الروح فی الکلام على أرواح الأموات والأحیاء بالدلائل من الکتاب والسنة) و...

راجع: "الدرر الکامنة فی أعیان المائة الثامنة"؛ لابن حجر العسقلانی، (5/ 137 140)، و"الأعلام"؛ للزرکلی، (6/ 56).

[21] الروح فی الکلام على أرواح الأموات والأحیاء بالدلائل من الکتاب والسنة، لمحمد بن أبی بکر بن أیوب بن سعد شمس الدین ابن قیم الجوزیة (المتوفى: 751هـ)، (ص 52)، دار الکتب العلمیة بیروت، عدد الأجزاء: (1).

[22] الرازی (544 606 هـ = 1150 1210 م)، هو: محمد بن عمر بن الحسین بن الحسن، الرازی، فخر الدین، أبو عبدالله، المعروف بابن الخطیب، من نسل أبی بکر الصدیق رضی الله عنه، وُلد بالری وإلیها نسبته، وأصله من طبرستان، فقیه وأصولی شافعی، متکلم، نظار، مفسر، أدیب، مشارک فی أنواع من العلوم، رحل إلى خوارزم بعدما مهر فی العلوم، ثم قصد ما وراء النهر وخراسان، واستقرَّ فی (هراة) وکان یلقَّب بها شیخ الإسلام، منحه الله قدرةً فائقة فی التألیف والتصنیف، فکان فریدَ عصره، اشتهرت مصنَّفاته فی الآفاق، وأقبل الناس على الاشتغال بها، ومن تصانیفه: (مفاتیح الغیب = التفسیر الکبیر) فی التفسیر و(معالم الأصول) و(المحصول) فی أصول الفقه و...

راجع: "طبقات الشافعیة الکبرى"؛ لتاج الدین عبدالوهاب بن تقی الدین السبکی (المتوفى: 771هـ)، (8/ 81 82)، المحقق: د. محمود محمد الطناحی، د. عبدالفتاح محمد الحلو، هجر للطباعة والنشر والتوزیع، الطبعة: الثانیة، 1413هـ، عدد الأجزاء: (10)، و"الأعلام"؛ للزرکلی، (6/ 313).

[23] "مفاتیح الغیب = التفسیر الکبیر"؛ لأبی عبدالله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسین التیمی الرازی الملقب بفخر الدین الرازی خطیب الری (المتوفى: 606هـ)، (16/ 25)، دار إحیاء التراث العربی بیروت، الطبعة: الثالثة 1420 هـ، عدد الأحزاء: (32).

[24] سورة التکویر: (10).

[25] سورة المرسلات: (3).

[26] سورة الفرقان: (47).

[27] سورة الجمعة: (10).

[28] سورة الأحزاب: (53).

[29] "مفردات ألفاظ القرآن"؛ للراغب الأصفهانی، مادة: (ن ش ر)، (2/ 427 429) بتصرف.

[30] "تهذیب اللغة"؛ لمحمد بن أحمد بن الأزهری مادة: (ن ش ر)، (11/ 232).

[31] المصدر نفسه.

[32] سورة الملک: (15).

[33] "النهایة فی غریب الحدیث والأثر"؛ لابن الأثیر، مادة: (ن ش ر)، (5/ 54).

[34] سورة عبس: (22).

[35] "تفسیر القرآن العظیم"؛ لابن کثیر، (8/ 323).

[36] حذیفة بن الیمان (؟ 36 هـ = ؟ 656 م)، هو: حذیفة بن الیمان (والیمان لقبه، واسمه: حسیل، ویقال: حسل) أبو عبدالله العبسی، من کبار الصحابة، وصاحب سرِّ رسول الله صلى الله علیه وسلم، أسلم هو وأبوه وأرادا شهود بدر فصدَّهما المشرکون، وشهد أُحُدًا فاستشهد الیمان بها، شهد حذیفة الخندقَ وما بعدها، کما شهد فتوحَ العراق، وله بها آثار شهیرة، خیَّره النبی صلى الله علیه وسلم بین الهجرة والنصرة فاختار النصرةَ، وکان فی المدائن حتى مات بعد بیعة علی رضى الله تعالى عنه بأربعین یومًا، روى عن النبی صلى الله علیه وسلم الکثیر، وعن عمر، وروى عنه جابر وآخرون، وأما أحادیثه فی الصحیحین: فاثنا عشر حدیثًا، وفی البخاری: ثمانیة، وفی مسلم: سبعة عشر حدیثًا.

راجع: "الإصابة فی تمییز الصحابة"؛ لابن الحجر العسقلانی، (2/ 39 40)، و"سیر أعلام النبلاء"؛ للذهبی، (2/ 361 369)، و"الأعلام"؛ للزرکلی، (2/ 171).

[37] متفق عیله: أخرجه البخاری فی صحیحه، کتاب الدعوات، بَابُ ما یقول إذا نام، رقم الحدیث: (6312)، (8/ 69)، واللفظ له، وأخرجه مسلم فی صحیحه عن البراء، کتاب الذِّکْرِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ، بَابُ مَا یَقُولُ عِنْدَ النَّوْمِ وَأَخْذِ الْمَضْجَعِ، رقم الحدیث: (2711)، (4/ 2083).

[38] "لوامع الأنوار البهیة وسواطع الأسرار الأثریة لشرح الدرة المضیة فی عقد الفرقة المرضیة"؛ للسفارینی، (2/ 158).

[39] أبو هلال (؟ بعد 395 هـ = ؟ بعد 1005 م)، هو: الحسن بن عبدالله بن سهل بن سعید بن یحیى بن مهران العسکری، أبو هلال: عالم بالأدب، له شعر، نسبته إلى (عسکر مکرم) من کور الأهواز، وقال الحموی: سألتُ الرئیسَ أبا المظفر محمد بن أبی العباس الأبیوردی رحمه الله بهمذان عنه فأثنى علیه ووصفه بالعلم والعفَّة معًا وقال: "کان یتبزَّز احترازًا من الطمع والدناءة والتبذل"، وکان الغالب علیه الأدب والشعر، ومن کتبه: (التلخیص) فی اللغة، و(جمهرة الأمثال)، و(کتاب الصناعیتن: النظم والنثر)، فی تفسیر القرآن، خمس مجلدات، و...

راجع: "معجم الأدباء = إرشاد الأریب إلى معرفة الأدیب"؛ لشهاب الدین أبی عبدالله یاقوت بن عبدالله الرومی الحموی (المتوفى: 626هـ، (2/ 917 918)، المحقق: إحسان عباس، دار الغرب الإسلامی، بیروت، الطبعة: الأولى، 1414 هـ = 1993 م، عدد الأجزاء: (7)، و"طبقات المفسرین"؛ للسیوطی، (ص 44)، و"الأعلام"؛ للزرکلی، (2/ 196).

[40] "الفروق اللغویة"؛ لأبی هلال الحسن بن عبدالله بن سهل بن سعید بن یحیى بن مهران العسکری، المتوفى: نحو 395 هـ، (ص 289)، حققه وعلَّق علیه: محمد إبراهیم سلیم، دار العلم والثقافة للنشر والتوزیع، القاهرة مصر، عدد الأجزاء: (1).

کم عدد مرات النفخ فی الصور؟

کم عدد مرات النفخ فی الصور؟


الباحث: محمد طاهر قاسمی

قال الله تعالى: ﴿ یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا[1].

 

الذی یَظهر أنَّ إسرافیل علیه السلام یَنفخ فی الصُّور مرَّتین؛ الأولى یَحصل بها الصَّعْق، والثانیة یحصل بها البَعْث، قال الله تعالى:

﴿ وَنُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَمَن فِی الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِیهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِیَامٌ یَنظُرُونَ[2].

 

وقد سمَّى القرآنُ النفخةَ الأولى بالرَّاجِفة، والنفخةَ الثانیة بالرَّادفة، قال الله تعالى:

﴿ یَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ[3].

قال ابن عباس رضی الله تعالى عنهما، فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ یَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴾ "تتبع الآخرة الأولى، والرَّاجفة: النفخة الأولى، والرادفة: النفخة الآخرة"[4].

 

وقال الحسن رحمه الله تعالى، فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ یَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴾ "هما النفختان: أمَّا الأولى فتُمیتُ الأحیاء، وأمَّا الثانیة فتُحْیی الموتى، ثم تلا الحسن: ﴿ وَنُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِی الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِیهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِیَامٌ یَنْظُرُونَ[5]"[6].

 

وقال قتادة: رحمه الله تعالى، فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ یَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ - تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴾ "هما صیحتان: أما الأولى فتُمیت کلَّ شیء بإذن الله، وأمَّا الأخرى فتحیی کلَّ شیء بإذن الله"[7].

 

وقال الضحَّاک رحمه الله تعالى، فی تفسیر قوله تعالى: "﴿ یَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ﴾ النفخة الأولى ﴿ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴾: النفخة الأخرى"[8].

 

وفی موضع آخر سمَّى الأولى بالصَّیحة، وصرَّح بالنفخ بالصور فی الثانیة، قال تعالى: ﴿ مَا یَنظُرُونَ إِلَّا صَیْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ یَخِصِّمُونَ * فَلَا یَسْتَطِیعُونَ تَوْصِیَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ یَرْجِعُونَ - وَنُفِخَ فِی الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ یَنْسِلُونَ[9].

 

وقد جاءت الأحادیثُ النبویة مصرِّحة بالنفختین؛ کما أخرج البخاری رحمه الله تعالى ومسلم رحمه الله تعالى فی صحیحیهما عن أبی هریرة رضی الله تعالى عنه عن النبی صلى الله علیه وسلم قال:

((مَا بَیْنَ النَّفْخَتَیْنِ أَرْبَعُونَ))، قال: أَرْبَعُونَ یَوْمًا؟ قال: أَبَیْتُ، قال: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قال: أَبَیْتُ، قال: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قال: أَبَیْتُ، قال: ((ثُمَّ یُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَیَنْبُتُونَ کَمَا یَنْبُتُ البَقْلُ، لَیْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَیْءٌ إِلَّا یَبْلَى، إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ یُرَکَّبُ الخَلْقُ یَوْمَ القِیَامَةِ))[10].

 

وأیضًا أخرج مسلم رحمه الله تعالى فی صحیحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضی الله عنهما أنَّه سمع رسولَ الله صلى الله علیه وسلم یقول: ((... ثُمَّ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ، فَلَا یَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِیتًا وَرَفَعَ لِیتًا[11]، قال: وَأَوَّلُ مَنْ یَسْمَعُهُ رَجُلٌ یَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ، قال: فَیَصْعَقُ، وَیَصْعَقُ النَّاسُ، ثُمَّ یُرْسِلُ اللهُ - أَوْ قَالَ یُنْزِلُ اللهُ - مَطَرًا کَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوِ الظِّلُّ - نُعْمَانُ الشَّاکُّ - فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ یُنْفَخُ فِیهِ أُخْرَى، فَإِذَا هُمْ قِیَامٌ یَنْظُرُونَ، ثُمَّ یُقَالُ: یَا أَیُّهَا النَّاسُ، هَلُمَّ إِلَى رَبِّکُمْ، وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ، قال: ثُمَّ یُقَالُ: أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ، فَیُقَالُ: مِنْ کَمْ؟ فَیُقَالُ: مِنْ کُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِینَ، قَالَ: فَذَاکَ یَوْمَ یَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِیبًا، وَذَلِکَ یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ))[12].

 

وروى أَوس بن أوس رضی الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله علیه وسلم: ((إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَیَّامِکُمْ یَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ فِیهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِیهِ قُبِضَ، وَفِیهِ النَّفْخَةُ، وَفِیهِ الصَّعْقَةُ...))[13].

 

وقد رجَّح هذا الذی دلَّت علیه هذه الآیات والأحادیث التی سُقناها جَمْعٌ من أهل العلم؛ منهم القرطبیُّ رحمه الله تعالى فی التذکرة[14] وابن حجر العسقلانی رحمه الله تعالى فی شرحه لصحیح البخاری[15].

 

وذهب جَمْعٌ من أهل العلم إلى أنها ثلاث نفخات، وهی:

نفخة الفَزَع، ونفخة الصَّعق، ونفخة البَعث.

ومِن الذین اختاروا هذا المذهب: أبو بکر الشهیر بابن العربی رحمه الله تعالى، کما ذکره القرطبیُّ[16]، وابنُ تیمیة [17] رحمهما الله فی مجموع الفتاوى[18]، وابن کثیر رحمه الله تعالى فی النهایة[19].

 

وحجَّتُهم فی ذلک أن الله ذکَر نفخةَ الفزَع فی قوله:

﴿ وَیَوْمَ یُنفَخُ فِی الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَمَن فِی الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاء اللَّهُ[20].

کما احتجُّوا ببعض الأحادیث التی نصَّت على أنَّ النفخات ثلاث، ومنها حدیث أبی هریرة رضی الله تعالى عنه الطَّویل الذی أخرجه الطبری رحمه الله تعالى فی تفسیر هذه الآیة: أنه قال لرسول الله صلى الله علیه وسلم: یا رسول الله، ما الصُّور؟ قال: ((قَرْنٌ))، قال: وکیف هو؟ قال: ((قَرْنٌ عَظِیمٌ یُنْفَخُ فِیهِ ثَلاثُ نَفَخاتٍ: الأولى: نَفْخَةُ الفَزَعِ، والثَّانِیَةُ: نَفْخَةُ الصَّعْقِ، والثَّالِثَةُ: نَفْخَةُ القِیَامِ لِلهِ رَبِّ العَالَمینَ...))[21].

 

أمَّا استدلالهم بالآیة التی تَذکر نفخةَ الفزَع فلیست صریحةً على أن هذه نفخة ثالثة؛ إذ لا یَلزم مِن ذِکر الحقِّ تبارک وتعالى للفزع الذی یُصیب مَن فی السماوات والأرض عند النَّفخ فی الصور أن تجعل هذه نفخة مستقلَّة؛ فالنفخة الأولى تفزع الأحیاءَ قبلَ صَعْقهم، والنَّفخة الثانیة تفزع الناسَ عند بعثهم.

 

وقال القرطبیُّ رحمه الله تعالى: "وَأَنَّ الصَّحِیحَ فِی النَّفْخِ فِی الصُّوَرِ أَنَّهُمَا نَفْخَتَانِ لَا ثَلَاثَ، وَأَنَّ نَفْخَةَ الْفَزَعِ إِنَّمَا تَکُونُ رَاجِعَةً إِلَى نَفْخَةِ الصَّعْقِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَیْنِ لَازَمَانَ لَهُمَا، أَیْ: فَزِعُوا فَزَعًا مَاتُوا مِنْهُ..."[22].

کما أشار إلیه ابن حجر رحمه الله تعالى[23].

 

أمَّا حدیث الصور الذی أخرجه الطبری رحمه الله تعالى فهو حدیثٌ ضعیف مضطرب؛ کما یقول الحجَّةُ فی علم الحدیث ابن حجر العسقلانی رحمه الله تعالى، وأیضًا نَقَل تضعیفَ هذا الحدیث عن البیهقی رحمه الله تعالى فی شرحه لصحیح البخاری[24].

 

والمراد من النَّفخ فی قوله تعالى: ﴿ یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾، النفخة الثانیة؛ بدلیل أنَّ الله تعالى قرنه بقوله: ﴿ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾؛ لأنَّ إتیانهم أفواجًا لا یکون إلَّا فی النفخة الثانیة، کما لا یخفى.



[1] سورة النبأ: (18).

[2] سورة الزمر: (68).

[3] سورة النازعات: (6 - 7).

[4] أخرجه الطبری فی تفسیره "جامع البیان فی تأویل القرآن"، (24/ 191).

[5] سورة الزمر: (68).

[6] أخرجه الطبری فی تفسیره "جامع البیان فی تأویل القرآن"، (24/ 191) و"بحر العلوم"؛ لأبی اللیث السمرقندی، (3/ 542).

[7] "الکشف والبیان عن تفسیر القرآن"؛ للثعلبی، (10/ 124)، و"معالم التنزیل فی تفسیر القرآن"؛ للبغوی، (5/ 205).

[8] أخرجه الطبری فی تفسیره "جامع البیان فی تأویل القرآن"، (24/ 192).

[9] سورة یس: (49 - 51).

[10] متفق عیله: أخرجه البخاری فی صحیحه، کتاب تفسیر القرآن، بَابُ ﴿ یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾ (زُمَرًا) النبأ: (18)، رقم الحدیث: (4935)، (6/ 165)، واللفظ له، وأخرجه مسلم فی صحیحه، کتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ مَا بَیْنَ النَّفْخَتَیْنِ، رقم الحدیث: (2955)، (4/ 2270).

[11] لِیتًا بکسر اللام وآخره مثنَّاة فوق: وهی صفحة العنق؛ "الدیباج على مسلم" (6/ 260).

[12] أخرجه مسلم فی صحیحه، کتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابٌ فِی خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَمُکْثِهِ فِی الْأَرْضِ، وَنُزُولِ عِیسَى وَقَتْلِهِ إِیَّاهُ، وَذَهَابِ أَهْلِ الْخَیْرِ وَالْإِیمَانِ، وَبَقَاءِ شِرَارِ النَّاسِ وَعِبَادَتِهِمُ الْأَوْثَانَ، وَالنَّفْخِ فِی الصُّورِ، وَبَعْثِ مَنْ فِی الْقُبُورِ، رقم الحدیث: (2940)، (4/ 2258).

[13] سبق تخریجه فی صفحة (114).

[14] راجع: "التذکرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة"؛ للقرطبی، (ص 491).

[15] راجع: "فتح الباری شرح صحیح البخاری"؛ لابن حجر العسقلانی، (11/ 369).

[16] راجع: "التذکرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة"؛ للقرطبی، (ص 491) و"فتح الباری شرح صحیح البخاری"؛ لابن حجر العسقلانی، (11/ 369).

[17] ابن تیمیة (661 728 هـ = 1263 1328 م)، هو: أحمد بن عبدالحلیم بن عبدالسلام بن تیمیة الحرانی الدمشقی، تقی الدین، الإمام شیخ الإسلام حنبلی، وُلد فی حران، وانتقل به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر، سُجن بمصر مرتین مِن أجل فتاواه، توفِّی بقلعة دمشق معتقلًا، کان داعیة إصلاح فی الدین، آیة فی التفسیر والعقائد والأصول، فَصیح اللسان، وأثنى علیه ابن حجر العسقلانی کثیرًا، ومکثرًا من التصنیف، ومن تصانیفه (السیاسة الشرعیة) و(منهاج السنة) و(فتاواه) طبعت فی الریاض مؤخرًا فی 35 مجلدًا.

راجع: "الدرر الکامنة فی أعیان المائة الثامنة"؛ لأبی الفضل أحمد بن علی بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانی (المتوفى: 852هـ)، (1/ 168 186)، المحقق: مراقبة/ محمد عبدالمعید ضان، الناشر: مجلس دائرة المعارف العثمانیة حیدر آباد/ الهند، الطبعة: الثانیة، 1392هـ/ 1972م). عدد الأجزاء: (6)، و"الأعلام"؛ للزرکلی، (1/ 144).

[18] "مجموع الفتاوى"؛ لتقی الدین أبی العباس أحمد بن عبدالحلیم بن تیمیَّة الحرَّانی (المتوفى: 728هـ)، (16/ 35)، المحقق: عبدالرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملک فهد لطباعة المصحف الشریف، المدینة النبویة، المملکة العربیة السعودیة، عام النشر: (1416هـ/ 1995م) عدد الأجزاء (35).

[19] "البدایة والنهایة"؛ لأبی الفداء إسماعیل بن عمر بن کثیر القرشی البصری ثم الدمشقی (المتوفى: 774هـ)، (1/ 45)، دار الفکر، عام النشر: 1407 هـ 1986 م، عدد الأجزاء: (15).

[20] سورة النمل: (87).

[21] أخرجه الطبری فی تفسیره "جامع البیان فی تأویل القرآن"، (19/ 503).

[22] "الجامع لأحکام القرآن"؛ للقرطبی، (13/ 240).

[23] "فتح الباری شرح صحیح البخاری"؛ لابن حجر العسقلانی، (11/ 369).

[24] راجع: المصدر نفسه.