وبلاگ رسمی دکتور محمد طاهر قاسمی

وبلاگ رسمی دکتور محمد طاهر قاسمی

باز تابی از آثار علمی و تحقیقی اندیشمند جوان افغان به زبان های عربی و فارسی
وبلاگ رسمی دکتور محمد طاهر قاسمی

وبلاگ رسمی دکتور محمد طاهر قاسمی

باز تابی از آثار علمی و تحقیقی اندیشمند جوان افغان به زبان های عربی و فارسی

کم عدد مرات النفخ فی الصور؟

کم عدد مرات النفخ فی الصور؟


الباحث: محمد طاهر قاسمی

قال الله تعالى: ﴿ یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا[1].

 

الذی یَظهر أنَّ إسرافیل علیه السلام یَنفخ فی الصُّور مرَّتین؛ الأولى یَحصل بها الصَّعْق، والثانیة یحصل بها البَعْث، قال الله تعالى:

﴿ وَنُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَمَن فِی الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاء اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِیهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِیَامٌ یَنظُرُونَ[2].

 

وقد سمَّى القرآنُ النفخةَ الأولى بالرَّاجِفة، والنفخةَ الثانیة بالرَّادفة، قال الله تعالى:

﴿ یَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ[3].

قال ابن عباس رضی الله تعالى عنهما، فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ یَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴾ "تتبع الآخرة الأولى، والرَّاجفة: النفخة الأولى، والرادفة: النفخة الآخرة"[4].

 

وقال الحسن رحمه الله تعالى، فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ یَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ * تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴾ "هما النفختان: أمَّا الأولى فتُمیتُ الأحیاء، وأمَّا الثانیة فتُحْیی الموتى، ثم تلا الحسن: ﴿ وَنُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِی الأرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِیهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِیَامٌ یَنْظُرُونَ[5]"[6].

 

وقال قتادة: رحمه الله تعالى، فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ یَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ - تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴾ "هما صیحتان: أما الأولى فتُمیت کلَّ شیء بإذن الله، وأمَّا الأخرى فتحیی کلَّ شیء بإذن الله"[7].

 

وقال الضحَّاک رحمه الله تعالى، فی تفسیر قوله تعالى: "﴿ یَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ ﴾ النفخة الأولى ﴿ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ﴾: النفخة الأخرى"[8].

 

وفی موضع آخر سمَّى الأولى بالصَّیحة، وصرَّح بالنفخ بالصور فی الثانیة، قال تعالى: ﴿ مَا یَنظُرُونَ إِلَّا صَیْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ یَخِصِّمُونَ * فَلَا یَسْتَطِیعُونَ تَوْصِیَةً وَلَا إِلَى أَهْلِهِمْ یَرْجِعُونَ - وَنُفِخَ فِی الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ یَنْسِلُونَ[9].

 

وقد جاءت الأحادیثُ النبویة مصرِّحة بالنفختین؛ کما أخرج البخاری رحمه الله تعالى ومسلم رحمه الله تعالى فی صحیحیهما عن أبی هریرة رضی الله تعالى عنه عن النبی صلى الله علیه وسلم قال:

((مَا بَیْنَ النَّفْخَتَیْنِ أَرْبَعُونَ))، قال: أَرْبَعُونَ یَوْمًا؟ قال: أَبَیْتُ، قال: أَرْبَعُونَ شَهْرًا؟ قال: أَبَیْتُ، قال: أَرْبَعُونَ سَنَةً؟ قال: أَبَیْتُ، قال: ((ثُمَّ یُنْزِلُ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَیَنْبُتُونَ کَمَا یَنْبُتُ البَقْلُ، لَیْسَ مِنَ الإِنْسَانِ شَیْءٌ إِلَّا یَبْلَى، إِلَّا عَظْمًا وَاحِدًا وَهُوَ عَجْبُ الذَّنَبِ، وَمِنْهُ یُرَکَّبُ الخَلْقُ یَوْمَ القِیَامَةِ))[10].

 

وأیضًا أخرج مسلم رحمه الله تعالى فی صحیحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضی الله عنهما أنَّه سمع رسولَ الله صلى الله علیه وسلم یقول: ((... ثُمَّ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ، فَلَا یَسْمَعُهُ أَحَدٌ إِلَّا أَصْغَى لِیتًا وَرَفَعَ لِیتًا[11]، قال: وَأَوَّلُ مَنْ یَسْمَعُهُ رَجُلٌ یَلُوطُ حَوْضَ إِبِلِهِ، قال: فَیَصْعَقُ، وَیَصْعَقُ النَّاسُ، ثُمَّ یُرْسِلُ اللهُ - أَوْ قَالَ یُنْزِلُ اللهُ - مَطَرًا کَأَنَّهُ الطَّلُّ أَوِ الظِّلُّ - نُعْمَانُ الشَّاکُّ - فَتَنْبُتُ مِنْهُ أَجْسَادُ النَّاسِ، ثُمَّ یُنْفَخُ فِیهِ أُخْرَى، فَإِذَا هُمْ قِیَامٌ یَنْظُرُونَ، ثُمَّ یُقَالُ: یَا أَیُّهَا النَّاسُ، هَلُمَّ إِلَى رَبِّکُمْ، وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ، قال: ثُمَّ یُقَالُ: أَخْرِجُوا بَعْثَ النَّارِ، فَیُقَالُ: مِنْ کَمْ؟ فَیُقَالُ: مِنْ کُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِینَ، قَالَ: فَذَاکَ یَوْمَ یَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِیبًا، وَذَلِکَ یَوْمَ یُکْشَفُ عَنْ سَاقٍ))[12].

 

وروى أَوس بن أوس رضی الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله علیه وسلم: ((إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَیَّامِکُمْ یَوْمَ الْجُمُعَةِ؛ فِیهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِیهِ قُبِضَ، وَفِیهِ النَّفْخَةُ، وَفِیهِ الصَّعْقَةُ...))[13].

 

وقد رجَّح هذا الذی دلَّت علیه هذه الآیات والأحادیث التی سُقناها جَمْعٌ من أهل العلم؛ منهم القرطبیُّ رحمه الله تعالى فی التذکرة[14] وابن حجر العسقلانی رحمه الله تعالى فی شرحه لصحیح البخاری[15].

 

وذهب جَمْعٌ من أهل العلم إلى أنها ثلاث نفخات، وهی:

نفخة الفَزَع، ونفخة الصَّعق، ونفخة البَعث.

ومِن الذین اختاروا هذا المذهب: أبو بکر الشهیر بابن العربی رحمه الله تعالى، کما ذکره القرطبیُّ[16]، وابنُ تیمیة [17] رحمهما الله فی مجموع الفتاوى[18]، وابن کثیر رحمه الله تعالى فی النهایة[19].

 

وحجَّتُهم فی ذلک أن الله ذکَر نفخةَ الفزَع فی قوله:

﴿ وَیَوْمَ یُنفَخُ فِی الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِی السَّمَاوَاتِ وَمَن فِی الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاء اللَّهُ[20].

کما احتجُّوا ببعض الأحادیث التی نصَّت على أنَّ النفخات ثلاث، ومنها حدیث أبی هریرة رضی الله تعالى عنه الطَّویل الذی أخرجه الطبری رحمه الله تعالى فی تفسیر هذه الآیة: أنه قال لرسول الله صلى الله علیه وسلم: یا رسول الله، ما الصُّور؟ قال: ((قَرْنٌ))، قال: وکیف هو؟ قال: ((قَرْنٌ عَظِیمٌ یُنْفَخُ فِیهِ ثَلاثُ نَفَخاتٍ: الأولى: نَفْخَةُ الفَزَعِ، والثَّانِیَةُ: نَفْخَةُ الصَّعْقِ، والثَّالِثَةُ: نَفْخَةُ القِیَامِ لِلهِ رَبِّ العَالَمینَ...))[21].

 

أمَّا استدلالهم بالآیة التی تَذکر نفخةَ الفزَع فلیست صریحةً على أن هذه نفخة ثالثة؛ إذ لا یَلزم مِن ذِکر الحقِّ تبارک وتعالى للفزع الذی یُصیب مَن فی السماوات والأرض عند النَّفخ فی الصور أن تجعل هذه نفخة مستقلَّة؛ فالنفخة الأولى تفزع الأحیاءَ قبلَ صَعْقهم، والنَّفخة الثانیة تفزع الناسَ عند بعثهم.

 

وقال القرطبیُّ رحمه الله تعالى: "وَأَنَّ الصَّحِیحَ فِی النَّفْخِ فِی الصُّوَرِ أَنَّهُمَا نَفْخَتَانِ لَا ثَلَاثَ، وَأَنَّ نَفْخَةَ الْفَزَعِ إِنَّمَا تَکُونُ رَاجِعَةً إِلَى نَفْخَةِ الصَّعْقِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَیْنِ لَازَمَانَ لَهُمَا، أَیْ: فَزِعُوا فَزَعًا مَاتُوا مِنْهُ..."[22].

کما أشار إلیه ابن حجر رحمه الله تعالى[23].

 

أمَّا حدیث الصور الذی أخرجه الطبری رحمه الله تعالى فهو حدیثٌ ضعیف مضطرب؛ کما یقول الحجَّةُ فی علم الحدیث ابن حجر العسقلانی رحمه الله تعالى، وأیضًا نَقَل تضعیفَ هذا الحدیث عن البیهقی رحمه الله تعالى فی شرحه لصحیح البخاری[24].

 

والمراد من النَّفخ فی قوله تعالى: ﴿ یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾، النفخة الثانیة؛ بدلیل أنَّ الله تعالى قرنه بقوله: ﴿ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾؛ لأنَّ إتیانهم أفواجًا لا یکون إلَّا فی النفخة الثانیة، کما لا یخفى.



[1] سورة النبأ: (18).

[2] سورة الزمر: (68).

[3] سورة النازعات: (6 - 7).

[4] أخرجه الطبری فی تفسیره "جامع البیان فی تأویل القرآن"، (24/ 191).

[5] سورة الزمر: (68).

[6] أخرجه الطبری فی تفسیره "جامع البیان فی تأویل القرآن"، (24/ 191) و"بحر العلوم"؛ لأبی اللیث السمرقندی، (3/ 542).

[7] "الکشف والبیان عن تفسیر القرآن"؛ للثعلبی، (10/ 124)، و"معالم التنزیل فی تفسیر القرآن"؛ للبغوی، (5/ 205).

[8] أخرجه الطبری فی تفسیره "جامع البیان فی تأویل القرآن"، (24/ 192).

[9] سورة یس: (49 - 51).

[10] متفق عیله: أخرجه البخاری فی صحیحه، کتاب تفسیر القرآن، بَابُ ﴿ یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا ﴾ (زُمَرًا) النبأ: (18)، رقم الحدیث: (4935)، (6/ 165)، واللفظ له، وأخرجه مسلم فی صحیحه، کتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابُ مَا بَیْنَ النَّفْخَتَیْنِ، رقم الحدیث: (2955)، (4/ 2270).

[11] لِیتًا بکسر اللام وآخره مثنَّاة فوق: وهی صفحة العنق؛ "الدیباج على مسلم" (6/ 260).

[12] أخرجه مسلم فی صحیحه، کتاب الْفِتَنِ وَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ، بَابٌ فِی خُرُوجِ الدَّجَّالِ وَمُکْثِهِ فِی الْأَرْضِ، وَنُزُولِ عِیسَى وَقَتْلِهِ إِیَّاهُ، وَذَهَابِ أَهْلِ الْخَیْرِ وَالْإِیمَانِ، وَبَقَاءِ شِرَارِ النَّاسِ وَعِبَادَتِهِمُ الْأَوْثَانَ، وَالنَّفْخِ فِی الصُّورِ، وَبَعْثِ مَنْ فِی الْقُبُورِ، رقم الحدیث: (2940)، (4/ 2258).

[13] سبق تخریجه فی صفحة (114).

[14] راجع: "التذکرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة"؛ للقرطبی، (ص 491).

[15] راجع: "فتح الباری شرح صحیح البخاری"؛ لابن حجر العسقلانی، (11/ 369).

[16] راجع: "التذکرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة"؛ للقرطبی، (ص 491) و"فتح الباری شرح صحیح البخاری"؛ لابن حجر العسقلانی، (11/ 369).

[17] ابن تیمیة (661 728 هـ = 1263 1328 م)، هو: أحمد بن عبدالحلیم بن عبدالسلام بن تیمیة الحرانی الدمشقی، تقی الدین، الإمام شیخ الإسلام حنبلی، وُلد فی حران، وانتقل به أبوه إلى دمشق فنبغ واشتهر، سُجن بمصر مرتین مِن أجل فتاواه، توفِّی بقلعة دمشق معتقلًا، کان داعیة إصلاح فی الدین، آیة فی التفسیر والعقائد والأصول، فَصیح اللسان، وأثنى علیه ابن حجر العسقلانی کثیرًا، ومکثرًا من التصنیف، ومن تصانیفه (السیاسة الشرعیة) و(منهاج السنة) و(فتاواه) طبعت فی الریاض مؤخرًا فی 35 مجلدًا.

راجع: "الدرر الکامنة فی أعیان المائة الثامنة"؛ لأبی الفضل أحمد بن علی بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلانی (المتوفى: 852هـ)، (1/ 168 186)، المحقق: مراقبة/ محمد عبدالمعید ضان، الناشر: مجلس دائرة المعارف العثمانیة حیدر آباد/ الهند، الطبعة: الثانیة، 1392هـ/ 1972م). عدد الأجزاء: (6)، و"الأعلام"؛ للزرکلی، (1/ 144).

[18] "مجموع الفتاوى"؛ لتقی الدین أبی العباس أحمد بن عبدالحلیم بن تیمیَّة الحرَّانی (المتوفى: 728هـ)، (16/ 35)، المحقق: عبدالرحمن بن محمد بن قاسم، مجمع الملک فهد لطباعة المصحف الشریف، المدینة النبویة، المملکة العربیة السعودیة، عام النشر: (1416هـ/ 1995م) عدد الأجزاء (35).

[19] "البدایة والنهایة"؛ لأبی الفداء إسماعیل بن عمر بن کثیر القرشی البصری ثم الدمشقی (المتوفى: 774هـ)، (1/ 45)، دار الفکر، عام النشر: 1407 هـ 1986 م، عدد الأجزاء: (15).

[20] سورة النمل: (87).

[21] أخرجه الطبری فی تفسیره "جامع البیان فی تأویل القرآن"، (19/ 503).

[22] "الجامع لأحکام القرآن"؛ للقرطبی، (13/ 240).

[23] "فتح الباری شرح صحیح البخاری"؛ لابن حجر العسقلانی، (11/ 369).

[24] راجع: المصدر نفسه.

نظرات 0 + ارسال نظر
امکان ثبت نظر جدید برای این مطلب وجود ندارد.