وبلاگ رسمی دکتور محمد طاهر قاسمی

وبلاگ رسمی دکتور محمد طاهر قاسمی

باز تابی از آثار علمی و تحقیقی اندیشمند جوان افغان به زبان های عربی و فارسی
وبلاگ رسمی دکتور محمد طاهر قاسمی

وبلاگ رسمی دکتور محمد طاهر قاسمی

باز تابی از آثار علمی و تحقیقی اندیشمند جوان افغان به زبان های عربی و فارسی

سمات منهج ابن العربی فی تفسیر آیات الصیام

سمات منهج ابن العربی فی تفسیر آیات الصیام 

الباحث: محمد طاهر قاسمی


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه، وبعد:

تفسیر آیات الأحکام للشیخ الجلیل ابن العربی من أهمِّ التفاسیر فی هذا الباب، ولدیه منهج فرید فی عرضه لتفسیر آیات الأحکام.

 

ودراسة تفسیر الشیخ والبحث فی منهجه لا یخلو من الأهمیة لدى الباحثین؛ لأن الوقوف على سمات المنهج یساعد الباحثین ویدفعهم إلى تقدُّم فی فهم الدقیق والعمیق من أسرار التنزیل وخاصة فی آیات الأحکام.

 

وها هی أمامک بعض سمات منهج الشیخ فی آیات الصیام والحج، وإن کان استیعاب جمیع سماته أمرًا فی غایة الصعوبة بصفة خاصة للباحثین فی بادئهم، لکن ما لا یدرک کله لا یترک کله، ومنها:

1 – تعریف الشیخ للمصطلحات الشرعیة، مثلًا:

عرف الشیخ الصوم بحسب اللغة، حیث یقول:

(وَهُوَ فِی اللُّغَةِ عِبَارَةً عَنْ الْإِمْسَاکِ الْمُطْلَقِ لَا خِلَافَ فِیهِ وَلَا مَعْنَى لَهُ غَیْرَهُ). (1 / 106).

 

وعرف الحج لغة واصطلاحًا، حیث یقول:

(الْحَجُّ: وَهُوَ فِی اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَصْدِ، وَخَصَّهُ الشَّرْعُ بِوَقْتٍ مَخْصُوصٍ وَبِمَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ عَلَى وَجْهٍ مُعَیَّنٍ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ). (1/ 169).

 

وعرف العمرة فی اللغة والاصطلاح، حیث یقول:

(الْعُمْرَةُ: وَهِیَ فِی اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ الزِّیَارَةِ، وَهِیَ فِی الشَّرِیعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ زِیَارَةِ الْبَیْتِ). (1/ 169).

 

وعرف المسافر والسفر فی اللغة والاصطلاح، حیث یقول:

(الْمُسَافِرُ: وَالسَّفَرُ فِی اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ الِانْکِشَافِ وَالْخُرُوجِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ؛ وَهُوَ فِی عُرْفِ اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ خُرُوجٍ یَتَکَلَّفُ فِیهِ مُؤْنَةً). (1/ 111).

 

واستعانته بعلم اللغة والاشتقاق فی تقریب المفاهیم الشرعیة:

کما تقدم فی تعریفه للمصطلحات الشرعیة.

 

2 – تعرضه لتفسیر آیات الأحکام فقط لا غیرها:

کما قال فی بدایة تفسیر سورة البقرة: (سُورَة الْبَقَرَةِ وَفِیهَا تِسْعُونَ آیَةً).

 

وحسب ترتیبه للآیات فی تفسیره تکون آیات الصیام (35) الخامسة والثلاثون من سورة البقرة، ثم یفرع منها مسائل ویقول: (فِیهَا سِتَّ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً).

وتکون آیات الحج والعمرة (45) الخامسة والأربعون من سورة البقرة، ثم یفرع منها مسائل ویقول: (فِیهَا اثْنَتَانِ وَثَلَاثُونَ مَسْأَلَةً).

 

یتعرض لتفسیر الآیات المترابطة معًا؛ حیث یأخذ آیاتٍ متعددة إذا کانت فی موضوع واحد، ثم یفسر الآیات، ویستنبط منها الأحکام بحسب الکلمات أو الجمل، کما هو واضح فی تفسیره.

 

3 – ذکره لأقوال مختلفة تفسیریة فی تفسر الآیات ثم یقوم بالترجیح:

یذکر أقوالًا مختلفة فی تفسیر الآیات، ثم یرد بعض الأقوال بالدلیل، ویقوم بالترجیح بینها، ویذکر وجه الترجیح؛ کما یقول فی تفسیر قوله تعالی:

(﴿ کَمَا کُتِبَ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ ﴾ [البقرة: 183]: فِیهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: قِیلَ: هُمْ أَهْلُ الْکِتَابِ. وَقِیلَ: هُمْ النَّصَارَى. وَقِیلَ: هُمْ جَمِیعُ النَّاسِ. وَهَذَا الْقَوْلُ الْأَخِیرُ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ کَانَ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ قَبْلَنَا بِإِمْسَاکِ اللِّسَانِ عَنْ الْکَلَامِ، وَلَمْ یَکُنْ فِی شَرْعِنَا؛ فَصَارَ ظَاهِرُ الْقَوْلِ رَاجِعًا إلَى النَّصَارَى لِأَمْرَیْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمْ الْأَدْنَوْنَ إلَیْنَا.الثَّانِی: أَنَّ الصَّوْمَ فِی صَدْرِ الْإِسْلَامِ کَانَ إذَا نَامَ الرَّجُلُ لَمْ یُفْطِرْ، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِصَوْمِهِمْ). (1 / 106).

وکذا یقول فی تفسیر قوله تعالى: (قَوْله تَعَالَى ﴿ وَأَتِمُّوا ﴾ [البقرة: 196] فِیهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ...). (1/167، 168).

 

4 – یجمع بین الأقوال التفسیریة المختلفة عندما یمکن الجمع:

کما قال فی تفسیر قوله تعالى: (﴿ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183]: فِیهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ مَا حَرَّمَ عَلَیْکُمْ فِعْلَهُ.

الثَّانِی: لَعَلَّکُمْ تَضْعُفُونَ فَتَتَّقُونَ؛ فَإِنَّهُ کُلَّمَا قَلَّ الْأَکْلُ ضَعُفَتْ الشَّهْوَةُ، وَکُلَّمَا ضَعُفَتْ الشَّهْوَةُ قَلَّتْ الْمَعَاصِی.

الثَّالِثُ: لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ مَا فَعَلَ مَنْ کَانَ قَبْلَکُمْ.

رُوِیَ أَنَّ النَّصَارَى بَدَّلَتْهُ إلَى الزَّمَانِ الْمُعْتَدِلِ، وَزَادَتْ فِیهِ کَفَّارَةُ عَشْرَةِ أَیَّامٍ؛ وَکُلُّهَا صَحِیحَةٌ، وَمُرَادَةٌ بِالْآیَةِ، إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ [حَقِیقَةٌ، وَالثَّانِی مَجَازٌ حَسَنٌ، وَالْأَوَّلُ وَالثَّانِی مَعْصِیَةٌ]، وَالثَّالِثُ کُفْرٌ). (1 / 108).

 

5 – الترجیح بین الروایات التی تفسر القرآن:

رجح الشیخ بین الروایات التی تتعارض مع بعضها البعض فی تفسیر الآیة، حیث یقوم بالترجیح بین الروایات بحسب القوة والضعف، کما تعرض لهذا الترجیح فی تفسیر قوله تعالى: (﴿ أَیَّامًا مَعْدُودَاتٍ ﴾ [البقرة: 184] وَهَذَا یَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ رَمَضَانُ، لَا یَوْمُ عَاشُورَاءَ، وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَیَّامٍ فِی کُلِّ شَهْرٍ فَقَدْ أَبْعَدَ؛ لِأَنَّهُ حَدِیثٌ لَا أَصْلَ لَهُ فِی الصِّحَّةِ). (1 / 109).

 

6 – تعرضه لروعة البیان للآیات عند تفسیره لها:

کما أشار إلی ذلک بقوله فی تفسیر قوله تعالى: (﴿ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 184] قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا الْقَوْلُ مِنْ لَطِیفِ الْفَصَاحَةِ لِأَنَّ تَقْرِیرَهُ: فَأَفْطَرَ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ، کَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ فَمَنْ کَانَ مِنْکُمْ مَرِیضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْیَةٌ ﴾ [البقرة: 196] تَقْدِیرُهُ فَحَلَقَ فَفِدْیَةٌ. وَقَدْ عُزِیَ إلَى قَوْمٍ: إنْ سَافَرَ فِی رَمَضَانَ قَضَاهُ، صَامَهُ أَوْ أَفْطَرَهُ، وَهَذَا لَا یَقُولُ بِهِ إلَّا ضُعَفَاءُ الْأَعَاجِمِ؛ فَإِنَّ جَزَالَةَ الْقَوْلِ وَقُوَّةَ الْفَصَاحَةِ تَقْتَضِی: فَأَفْطَرَ). (1 / 112).

 

7 – تعرُّضه للقراءات فی تفسیره للآیات:

قد یتعرض لذکر القراءات صحیحها وشاذِّها، ثم یرجِّح القراءة الصحیحة على الشاذة إیذانًا بأن الأحکام لا تبتنى على القراءات الشاذة، کما یقول فی تفسیر قوله تعالى:

(﴿ وَعَلَى الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعَامُ مِسْکِینٍ ﴾ [البقرة: 184] وَفِی هَذِهِ الْآیَاتِ قِرَاءَاتٌ وَتَأْوِیلَاتٌ وَاخْتِلَافَاتٌ وَهِیَ بَیْضَةُ الْعُقْرِ.قُرِئَ یُطِیقُونَهُ بِکَسْرِ الطَّاءِ وَإِسْکَانِ الْیَاءِ، وَقُرِئَ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْیَاءِ وَتَشْدِیدِهِمَا، وَقُرِئَ کَذَلِکَ بِتَشْدِیدِ الْیَاءِ الثَّانِیَةِ، لَکِنَّ الْأُولَى مَضْمُومَةٌ، وَقُرِئَ یَطُوقُونَهُ، وَالْقِرَاءَةُ هِیَ الْقِرَاءَةُ الْأُولَى، وَمَا وَرَاءَهَا وَإِنْ رُوِیَ وَأُسْنِدَ فَهِیَ شَوَاذٌّ، وَالْقِرَاءَةُ الشَّاذَّةُ لَا یَنْبَنِی عَلَیْهَا حُکْمٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ یَثْبُتْ لَهَا أَصْلٌ). (1 / 113).

 

عندما یمکن استنباط الحکم من قراءة لا یرى حاجة للجوء إلی قراءات أخرى، وإیذانه بأن القراءات لیست تابعة للمذهب والحکم، بل المذهب والحکم تابع لها کما أشار فی تفسیر قوله تعالى:

(قَوْلُهُ: ﴿ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ﴾ [البقرة: 196] رُوِیَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ: (وَالْعُمْرَةُ) بِالرَّفْعِ لِلْهَاءِ، وَحَکَى قَوْمٌ أَنَّهُ إنَّمَا فَرَّ مِنْ فَرْضِ الْعُمْرَةِ؛ وَهَذَا لَا یَصِحُّ مِنْ وَجْهَیْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقِرَاءَةَ یَنْبَنِی عَلَیْهَا الْمَذْهَبُ، وَلَا یُقْرَأُ بِحُکْمِ الْمَذْهَبِ.

الثَّانِی: أَنَّا قَدْ بَیَّنَّا أَنَّ النَّصْبَ لَا یَقْتَضِی ابْتِدَاءَ الْفَرْضِ، فَلَا مَعْنَى لِقِرَاءَةِ الرَّفْعِ إلَّا عَلَى رَأْیِ مَنْ یَقُولُ: یُقْرَأُ بِکُلِّ لُغَةٍ). (1/ 170).

 

8 – بیانه لناسخ القرآن ومنسوخه:

حیث یذکر الآیة المنسوخة ویفسرها، ثم یذکر الآیة الناسخة لها، کما فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ وَعَلَى الَّذِینَ یُطِیقُونَهُ فِدْیَةٌ طَعَامُ مِسْکِینٍ ﴾ [البقرة: 184]، حیث یقول:

(وَتَحْقِیقُ الْقَوْلِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: مَنْ کَانَ صَحِیحًا مُقِیمًا لَزِمَهُ الصَّوْمُ، وَمَنْ کَانَ مُسَافِرًا أَوْ مَرِیضًا فَلَا صَوْمَ عَلَیْهِ، وَمَنْ کَانَ صَحِیحًا مُقِیمًا وَلَزِمَهُ الصَّوْمُ، وَأَرَادَ تَرْکَهُ، فَعَلَیْهِ فِدْیَةٌ طَعَامُ مِسْکِینٍ، ثُمَّ نَسَخَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِکَ بِقَوْلِهِ: ﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِی أُنْزِلَ فِیهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَیِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْکُمُ الشَّهْرَ فَلْیَصُمْهُ وَمَنْ کَانَ مَرِیضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَیَّامٍ أُخَرَ ﴾ [البقرة: 185] مُطْلَقًا).

 

9 – استخدامه منهج الفنقلة فی تبیین معانی الآیات:

یفترض سؤالًا ثم یجیب علیه وحدیثًا یقال لهذا المنهج: منهج الفنلقة، والشیخ استخدم هذا المنهج فی تبیین الجوانب المغلقة فی الموضوعات وحل عقدها، حیث یقول:

(فَإِنْ قِیلَ: کَیْفَ یُقَالُ: الْفَرْضُ خَیْرٌ مِنْ التَّطَوُّعِ، وَلَا یَسْتَوِیَانِ فِی أَصْلِ الْوَضْعِ، وَحُکْمُ التَّخْیِیرِ بَیْنَ الشَّیْئَیْنِ أَنْ یَسْتَوِیَا فِی أَصْلِ التَّخْیِیرِ، ثُمَّ یَتَفَاضَلَا فِیهِ؟

 

قُلْنَا: الصَّوْمُ خَیْرٌ مِنْ الْفِطْرِ، وَهُوَ مُخَیَّرٌ بَیْنَ فِعْلِهِ وَتَرْکِهِ، فَصَارَ فِیهِ وَصْفٌ مِنْ النَّفْلِ، فَکَأَنَّهُ قِیلَ: تَقْدِیمُهُ أَوْ فِعْلُهُ خَیْرٌ مِنْ الْإِطْعَامِ). (1 / 114).

 

وأیضاً یقول:

(إنْ قِیلَ: کَیْفَ یَجُوزُ أَنْ یَکُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ الْخَیْطُ الْأَبْیَضُ ﴾ [البقرة: 187] الْفَجْرَ وَیَتَأَخَّرُ الْبَیَانُ مَعَ الْحَاجَةِ إلَیْهِ؟ وَتَأْخِیرُ الْبَیَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ إلَیْهِ مَعَ بَقَاءِ التَّکْلِیفِ حَتَّى یَقَعَ الْخَطَأُ عَنْ الْمَقْصُودِ لَا یَجُوزُ.

 

فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْبَیَانَ کَانَ مَوْجُودًا فِیهِ، لَکِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا یُدْرِکُهُ جَمِیعُ النَّاسِ؛ وَإِنَّمَا کَانَ عَلَى وَجْهٍ یَخْتَصُّ بِهِ بَعْضُهُمْ أَوْ أَکْثَرُهُمْ، وَلَیْسَ یَلْزَمُ أَنْ یَکُونَ الْبَیَانُ مَکْشُوفًا فِی دَرَجَةٍ یَطَّلِعُ عَلَیْهَا کُلُّ أَحَدٍ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمْ یَقَعْ فِیهِ إلَّا عَدِیٌّ وَحْدَهُ، وَأَیْضًا فَإِنَّ النَّبِیَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ لَمْ یُعَنِّفْ عَدِیًّا، وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْبَیَانَ فِیهِ جَلِیًّا). (1 / 134).

 

10 – تعرضه للأقوال الفقهیة المختلفة وترجیحه بین الآراء:

قد یرجح مذهبه، ویفنِّد آراء الآخرین عندما یجد لمذهبه دلیلًا قویًّا، کما رحج وصرح بصحة رأی مذهبه بقوله:

(الْمَسْأَلَةُ الْحَادِیَةَ عَشْرَةَ: الْحِلَاقُ نُسُکٌ مَقْصُودٌ. وَقَالَ الشَّافِعِیُّ: هُوَ إلْقَاءُ تَفَثٍ، وَمَا قُلْنَاهُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَکَرَهُ وَرَتَّبَهُ عَلَى نُسُکٍ. وَأَیْضًا فَإِنَّهُ فِی الصَّحِیحِ مَمْدُوحٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ: ((یَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِینَ)). قِیلَ: وَالْمُقَصِّرِینَ یَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((یَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِینَ)). قِیلَ: وَالْمُقَصِّرِینَ یَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((یَرْحَمُ اللَّهُ الْمُحَلِّقِینَ)). قِیلَ: وَالْمُقَصِّرِینَ یَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: وَ((الْمُقَصِّرِینَ)).). (1/ 172).

 

وقد یرجح رأی غیر علماء مذهبه إذا رآه صوابًا، کما رجح فی تفسیر قَوْله تَعَالَى: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ﴾ [البقرة: 196]:

(هَذِهِ آیَةٌ مُشْکِلَةٌ عُضْلَةٌ مِنْ الْعُضْلِ، فِیهَا قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: مُنِعْتُمْ بِأَیِّ عُذْرٍ کَانَ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ، وَأَبُو حَنِیفَةَ. الثَّانِی: [مُنِعْتُمْ] بِالْعَدُوِّ خَاصَّةً؛ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَنَسٌ، وَالشَّافِعِیُّ؛ وَهُوَ اخْتِیَارُ عُلَمَائِنَا، وَرَأْیُ أَکْثَرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَمُحَصِّلِیهَا عَلَى أَنَّ أُحْصِرَ عُرِّضَ لِلْمَرَضِ، وَحُصِرَ نَزَلَ بِهِ الْحَصْرُ... وَحَقِیقَةُ الْمَنْعِ عِنْدَنَا الْعَجْزُ الَّذِی یَتَعَذَّرُ مَعَهُ الْفِعْلُ، وَقَدْ بَیَّنَّاهُ فِی کُتُبِ الْأُصُولِ، وَاَلَّذِی یَصِحُّ أَنَّ الْآیَةَ نَزَلَتْ فِی الْمَمْنُوعِ بِعُذْرٍ). (1 / 170، 171).

 

وقد یرجح رأیًا یوافق فیه إمام مذهبه ومن وافقه ویترک رأی علماء مذهبه، کما رجح فی مسألة الصوم فی السفر:

(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: الصَّوْمُ خَیْرٌ مِنْ الْفِطْرِ فِی السَّفَرِ قَالَهُ مَالِکٌ وَأَبُو حَنِیفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِیُّ: الْفِطْرُ أَفْضَلُ، وَلِعُلَمَائِنَا مِثْلُهُ، وَلَهُمْ قَوْلٌ ثَالِثٌ: إنَّ الْفِطْرَ فِی الْغَزْوِ أَفْضَلُ؛ وَتَعَلَّقَ الشَّافِعِیُّ بِالْحَدِیثِ الصَّحِیحِ: ((لَیْسَ مِنْ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِی السَّفَرِ)). وَصَحَّ أَنَّهُ کَانَ آخِرَ الْأَمْرَیْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ الْفِطْرُ فِی السَّفَرِ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَکَانُوا یَأْخُذُونَ بِالْأَحْدَثِ فَالْأَحْدَثِ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ، وَتَعَلَّقَ أَصْحَابُنَا فِی أَنَّ الْفِطْرَ فِی الْغَزْوِ أَفْضَلُ بِالْحَدِیثِ الصَّحِیحِ: ((إنَّکُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّکُمْ، وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَکُمْ، فَأَفْطِرُوا)). وَالصَّحِیحُ أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى ﴿ وَأَنْ تَصُومُوا خَیْرٌ لَکُمْ ﴾ [البقرة: 184]). (1 / 114، 115).

 

وقد یرجح رأی علماء مذهبه، ویفند آراء الآخرین، کما فی مسألة (جعل الهدی نسکًا) حیث یقول:

(قَالَ عُلَمَاؤُنَا: یُجْزِئُ [الطَّعَامِ] فِی کُلِّ مَوْضِعٍ. وَقِیلَ: لَا یَخْتَصُّ مِنْهَا بِمَکَّةَ إلَّا الْهَدْیُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِیفَةَ. وَقَالَ الشَّافِعِیُّ: الطَّعَامُ کَالْهَدْیِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْهَدْیِ لِمَسَاکِینِ مَکَّةَ؛ فَالطَّعَامُ الَّذِی هُوَ عِوَضُهُ کَذَلِکَ. وَإِذَا قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ فَیَخْتَصُّ بِمَکَّةَ، وَإِنْ قُلْنَا: إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِی فَیَأْتِی بِهِمَا حَیْثُ شَاءَ؛ وَهُوَ الصَّحِیحُ. وَأَمَّا الْهَدْیُ فَإِنَّمَا جَاءَ الْقُرْآنُ فِیهِ بِلَفْظِ النُّسُکِ، وَهَذَا یَقْتَضِی أَنْ یَذْبَحَ حَیْثُ شَاءَ؛ فَإِنَّ لَفْظَ النُّسُکِ عَامٌّ فِی کُلِّ مَوْضِعٍ وَقَدْ رُوِیَ عَنْ النَّبِیِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ فِی الْأَثَرِ: ((مَنْ وُلِدَ لَهُ فَأَحَبَّ أَنْ یُنْسَکَ عَنْهُ فَلْیَفْعَلْ)). وَفِی الصَّحِیحِ: أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِکَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ: ((أَوْ اُنْسُکْ بِشَاةٍ))، فَحُمِلَ هَذَا اللَّفْظُ هَاهُنَا وَهُوَ الْهَدْیُ عَلَى أَنَّهُ إنْ شَاءَ أَنْ یَجْعَلَ هَذَا النُّسُکَ هَدْیًا جَعَلَهُ؛ وَذَلِکَ لِأَنَّ الْهَدْیَ لَا یَجُوزُ أَنْ یُجْعَلَ نُسُکًا، وَالنُّسُکُ یَجُوزُ أَنْ یُجْعَلَ هَدْیًا). (1/ 177، 178).

 

11 – تعرضه لأسباب النزول فی تفسیر الآیات:

یتعرض لسبب النزول فی تفسیر الآیات، ویتعدد فی ذکره عندما یجد روایات مختلفة فی سبب نزول الآیة، کما ذکر فی تفسیر قوله تعالى:

(﴿ أُحِلَّ لَکُمْ لَیْلَةَ الصِّیَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِکُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَکُمْ... ﴾ [البقرة: 187] فِیهَا تِسْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِی سَبَبِ نُزُولِهَا:

رَوَى الْأَئِمَّةُ: الْبُخَارِیُّ وَغَیْرُهُ عَنْ الْبَرَاءِ: (أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ کَانُوا إذَا حَضَرَ الْإِفْطَارُ فَنَامَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ یُفْطِرَ لَمْ یَأْکُلْ لَیْلَتَهُ وَلَا یَوْمَهُ حَتَّى یُمْسِیَ، وَأَنَّ قَیْسَ بْنَ صِرْمَةَ الْأَنْصَارِیَّ کَانَ صَائِمًا، فَلَمَّا حَضَرَ الْإِفْطَارُ أَتَى امْرَأَتَهُ، فَقَالَ: أَعِنْدَکِ طَعَامٌ؟ قَالَتْ: لَا، وَلَکِنِّی أَنْطَلِقُ فَأَطْلُبُ، وَکَانَ یَعْمَلُ یَوْمَهُ، فَغَلَبَتْهُ عَیْنَاهُ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَتُهُ، فَلَمَّا رَأَتْهُ قَدْ نَامَ قَالَتْ: خَیْبَةً لَک؛ فَلَمَّا انْتَصَفَ النَّهَارُ غُشِیَ عَلَیْهِ، فَذَکَرَتْ ذَلِکَ لِلنَّبِیِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ))، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ.

 

وَرَوَى الطَّبَرِیُّ نَحْوَهُ، (وَأَنَّ عُمَرَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ رَجَعَ مِنْ عِنْدِ النَّبِیِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ سَمَرَ عِنْدَهُ لَیْلَةً، فَوَجَدَ امْرَأَتَهُ قَدْ نَامَتْ فَأَرَادَهَا فَقَالَتْ: قَدْ نِمْتُ، فَقَالَ: مَا نِمْت، ثُمَّ وَقَعَ عَلَیْهَا، وَصَنَعَ کَعْبُ بْنُ مَالِکٍ مِثْلَهُ. فَغَدَا عُمَرُ عَلَى النَّبِیِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: أَعْتَذِرُ إلَى اللَّهِ وَإِلَیْک؟ فَإِنَّ نَفْسِی زَیَّنَتْ لِی مُوَاقَعَةَ أَهْلِی، فَهَلْ تَجِدُ لِی مِنْ رُخْصَةٍ؟ فَقَالَ لَهُ: ((لَمْ تَکُنْ بِذَلِکَ حَقِیقًا یَا عُمَرُ))، فَلَمَّا بَلَغَ بَیْتَهُ أَرْسَلَ إلَیْهِ فَأَنْبَأَهُ بِعُذْرِهِ فِی آیَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ).

 

وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد فِی أَبْوَابِ الْأَذَانِ قَالَ: (جَاءَ عُمَرُ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَرَادَ أَهْلَهُ، فَقَالَتْ: إنِّی قَدْ نِمْت: فَظَنَّ أَنَّهَا تَعْتَلُّ، فَأَتَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ). (1/ 126، 127).

 

وقد یذکر روایة واحدة فی سبب النزول الآیة عندما لا یجد فیه روایة أخرى، کما ذکر فی سبب نزول هذه الآیة: ﴿ فَمَنْ کَانَ مِنْکُمْ مَرِیضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْیَةٌ ﴾ [البقرة: 196] بقوله:

 

(هَذِهِ الْآیَةُ نَزَلَتْ فِی کَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: (مَرَّ بِی النَّبِیُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ زَمَنَ الْحُدَیْبِیَةِ، وَأَنَا أُوقِدُ تَحْتَ قِدْرٍ لِی وَالْقَمْلُ یَتَنَاثَرُ مِنْ رَأْسِی فَقَالَ: ((أَیُؤْذِیک هَوَامُّک؟)) قُلْت: نَعَمْ. فَأَمَرَهُ النَّبِیُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ أَنْ یَحْلِقَ وَلَمْ یَأْمُرْ غَیْرَهُ)، وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ مِنْ دُخُولِ مَکَّةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْآیَةَ). (1/ 176، 177).

 

وقد یذکر فی السببیة روایة تتعلق بسبب النزول فی الآیة، ثم یذکر روایة أخرى تتعلق وتتشابه فی السببیة، ومعنى ذلک أنها داخلة فی هذا الباب، لیس معناها أنها روایة مستقلة فی السببیة، کما ذکر هذه الروایات فی تفسیر قوله تعالى:

(﴿ حَتَّى یَتَبَیَّنَ لَکُمُ الْخَیْطُ الْأَبْیَضُ مِنَ الْخَیْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ [البقرة: 187]: رَوَى الْأَئِمَّةُ بِأَجْمَعِهِمْ: (قَالَ عَدِیُّ بْنُ حَاتِمٍ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآیَةُ عَمَدْت إلَى عِقَالَیْنِ لِی أَسْوَدَ وَأَبْیَضَ، فَجَعَلْتُهُمَا تَحْتَ وِسَادَتِی، وَجَعَلْت أَنْظُرُ فِی اللَّیْلِ إلَیْهِمَا فَلَا یَسْتَبِینُ لِی فَعَمَدْت إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ فَذَکَرْت ذَلِکَ، فَقَالَ: ((إنَّمَا ذَلِکَ سَوَادُ اللَّیْلِ وَبَیَاضُ النَّهَارِ))، وَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى: ﴿ مِنَ الْفَجْرِ ﴾ [البقرة: 187].

 

وَرَوَى الْأَئِمَّةُ: قَالَ النَّبِیُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ: «لَا یَمْنَعَنَّکُمْ أَذَانُ بِلَالٍ مِنْ سُحُورِکُمْ، فَإِنَّهُ یُؤَذِّنُ بِلَیْلٍ، لِیُرْجِعَ قَائِمَکُمْ، وَیُوقِظَ نَائِمَکُمْ، وَلَیْسَ أَنْ یَقُولَ هَکَذَا - وَصَوَّبَ یَدَهُ وَرَفَعَهَا - حَتَّى یَقُولَ: هَکَذَا - وَضَرَبَ بَیْنَ أَصَابِعِهِ)). (1/ 130).

 

ویرى العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، کما أشار فی ذکره لسبب النزول هذه الآیة: ﴿ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ﴾ [البقرة: 196]:

(وَقَدْ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَنَّ الْآیَةَ نَزَلَتْ سَنَةَ سِتٍّ، فِی عُمْرَةِ الْحُدَیْبِیَةِ، حِینَ صَدَّ الْمُشْرِکُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَکَّةَ، وَمَا کَانُوا حَبَسُوهُ وَلَکِنْ حَبَسُوا الْبَیْتَ وَمَنَعُوهُ... وَاَلَّذِی یَصِحُّ أَنَّ الْآیَةَ نَزَلَتْ فِی الْمَمْنُوعِ بِعُذْرٍ، وَأَنَّ لَفْظَهَا فِی کُلِّ مَمْنُوعٍ). (1/171).

 

وکذلک اعتبر عموم اللفظ لا خصوص السبب فی سبب نزول قوله تعالى: ﴿ فَمَنْ کَانَ مِنْکُمْ مَرِیضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْیَةٌ ﴾ [البقرة: 196]؛ حیث صرح بعد ذکر سبب نزولها بقوله:

(فَکُلُّ مَنْ کَانَ مَرِیضًا وَاحْتَاجَ إلَى فِعْلِ مَحْظُورٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ فَعَلَهُ وَافْتَدَى، کَمَا قَالَ النَّبِیُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ لِکَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ) (1 / 177).

 

12 – إثباته قوة الروایات الواردة فی سبب النزول بدلالة السیاق:

کما أثبت ذلک فی الروایات الواردة فی سبب نزول الآیة: ﴿ أُحِلَّ لَکُمْ لَیْلَةَ الصِّیَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِکُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَکُمْ... ﴾ [البقرة: 187] بقوله: (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى ﴿ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّکُمْ کُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَکُمْ ﴾ [البقرة: 187]، وَهَذَا یَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ رِوَایَةِ عُمَرَ وَکَعْبٍ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ عَلِمَ الْخِیَانَةَ، وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ مَا عَلِمَ مَوْجُودًا، وَإِنْ کَانَ عَلَى حَدِیثِ قَیْسِ بْنِ صِرْمَةَ الَّذِی رَوَاهُ الْبُخَارِیُّ فَتَقْدِیرُهُ: عَلِمَ اللَّهُ أَنَّکُمْ کُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَکُمْ فَرَخَّصَ لَکُمْ). (1 / 128).

 

وکذا رجح بدلیل: (قَوْله تَعَالَى: ﴿ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ ﴾ [البقرة: 187] قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ لَکُمْ مَا حَرَّمَ عَلَیْکُمْ، وَهَذَا یَدُلُّ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الْآیَةِ جِمَاعُ عُمَرَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ، لَا جُوعُ قَیْسٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ کَانَ السَّبَبُ جُوعَ قَیْسٍ لَقَالَ: فَالْآنَ کُلُوا، ابْتَدَأَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُهِمُّ الَّذِی نَزَلَتْ الْآیَةُ لِأَجْلِهِ). (1/ 129).

 

13 – الجمع بین الروایات المختلفة فی سبب النزول وذلک بدلالة السیاق:

کما أنه یقسم فقرات الآیة للاستشهاد بسبب النزول للجمع بین الروایات المختلفة بقوله فی تفسیر هذه الآیة: (قَوْله تَعَالَى: ﴿ وَکُلُوا وَاشْرَبُوا ﴾ [البقرة: 187]: هَذَا جَوَابُ نَازِلَةِ قَیْسِ بْنِ صِرْمَةَ، وَالْأَوَّلُ جَوَابُ نَازِلَةِ عُمَرَ رَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ؛ وَبَدَأَ بِنَازِلَةِ عُمَرَ؛ لِأَنَّهُ الْمُهِمُّ فَهُوَ الْمُقَدَّمُ).

 

14 – تعرضه لنقول علماء الزهد فی تفسیر آیات الأحکام:

یتعرض للموضوعات التی تتعلق بالأخلاق وینقل عن علماء الزهد، کما نقل فی تفسیر قوله تعالى: ﴿ فَتَابَ عَلَیْکُمْ ﴾ [البقرة: 54]:

(... قَدْ تَابَ عَلَیْنَا رَبُّنَا هَاهُنَا بِوَجْهَیْنِ: أَحَدُهُمَا: قَبُولُهُ تَوْبَةَ مَنْ اخْتَانَ نَفْسَهُ.وَالثَّانِی: تَخْفِیفُ مَا ثَقُلَ... قَالَ عُلَمَاءُ الزُّهْدِ: وَکَذَا فَلْتَکُنْ الْعِنَایَةُ وَشَرَفُ الْمَنْزِلَةِ، خَانَ نَفْسَهُ عُمَرُ فَجَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى شَرِیعَةً، وَخَفَّفَ لِأَجْلِهِ عَنْ الْأُمَّةِ فَرَضِیَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ). (1 / 129).

 

15 – تعرضه للموضوعات العقدیة فی تفسیره لآیات الأحکام:

یتعرض للموضوعات العقدیة والرد على الفرق وذلک من خلال تفسیره للآیات، کما أشار فی تفسیر قوله تعالى:

(﴿ لِلَّهِ ﴾ [البقرة: 196]: الْأَعْمَالُ کُلُّهَا لِلَّهِ، خَلْقٌ وَتَقْدِیرٌ، وَعِلْمٌ وَإِرَادَةٌ، وَمَصْدَرٌ وَمَوْرِدٌ، وَتَصْرِیفٌ وَتَکْلِیفٌ). (1/170).

 

16 – تعرضه للمطلق والمقید فی تفسیره للآیات:

قد یذکر هذه المصطلحات ویرد على من استخدم هذه المصطلحات، وطبقها فی غیر موضوعها کما یقول فی موضوع الصیام فی قوله تعالى: ﴿ فَفِدْیَةٌ مِنْ صِیَامٍ ﴾ [البقرة: 196]:

 

(قَالَ الْحَسَنُ وَعِکْرِمَةُ: هُوَ صَوْمُ عَشَرَةِ أَیَّامٍ. قَالُوا: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَکَرَ الصِّیَامَ هَاهُنَا مُطْلَقًا، وَقَیَّدَهُ فِی التَّمَتُّعِ بِعَشَرَةِ أَیَّامٍ، فَیُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَیَّدِ. قُلْنَا: هَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَیْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمُطْلَقَ لَا یُحْمَلُ عَلَى الْمُقَیَّدِ إلَّا بِدَلِیلٍ فِی نَازِلَةٍ وَاحِدَةٍ حَسْبَمَا بَیَّنَّاهُ فِی أُصُولِ الْفِقْهِ؛ وَهَاتَانِ نَازِلَتَانِ.

الثَّانِی: أَنَّ النَّبِیَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَیْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَیَّنَ فِی الْحَدِیثِ الصَّحِیحِ قَدْرَ الصِّیَامِ، وَذَلِکَ ثَلَاثَةُ أَیَّامٍ). (1/177).

 

هذه هی بعض سمات منهج الشیخ ابن العربی فی تفسیره لآیات الصیام والحج.

(وصلى الله على خیر خلقه محمد وآله وصحبه أجمعین)

نظرات 0 + ارسال نظر
امکان ثبت نظر جدید برای این مطلب وجود ندارد.